مواضيع المدونة

السبت، يناير 31، 2009

رسالة في الاكثار من اتخاذ الاخوان في الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم



قال سيدي محمد بن محمد الحراق الحسني قدس الله سره ونفعنا ببركته :
(حمدك اللهم بالعجز عن أداء ما يليق بك من وجود حمدك ، ونشكرك بإفضاء الفكر إلى أنه لا يعلم ما يناسبك من ذلك أحد من بعدك ، ونخنع إليك خنوع الفقير ، ونسجد لك بمسجد العقل على تراب الذل بسجود الوضيع الحقير ، ونشهد أنك الله الذي تبرم الأحكام ، وتبرز من معين القدرة أعجب الإتقان والإحكام ، حتى أنك جعلت العقول كالأجسام قبائل وشعوبا ، وجعلت حالها شرفا وضده لما تعلقت به معزوا ومنسوبا ، وشرفت بيت الجسم بشرف ساكنه ، وأثبت له من العز بحسب قائده وراسنه ، حتى قال رسولك صلى الله عليه وآله وسلم لاصحابه رضي الله عنهم، :"الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا "، فجعلت فضيلة الإنسان بفضيلة عقله وشفوفه بقدر دنوه منك ، وقرب محله إذ المقصود من الفقه أطوار الأعمال ، والمعتبر من الأعمال أنوار الأحوال ، ولايشرق نور حال شهودك إلا على عقل توليته في السابقة بالعناية ، وجعلت له في اللاحقة التعلق بك بداية ، والوصول إليك نهاية ، فصار هذا العقل مالك العقول، والخليفة عنك فيما يفعل ويقول ، فكل من أقبل عليه من العقول أقبل عليك ، وكل من نظر إليه نظر عطف أصبح مجذوبا إليك ، سطوة إلهية ، وخصوصية رحمانية ، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد المبعوث لسطوع نوره من عشية نهار وجود الدنيا بمغربة من الليل، والقائل :" إذا أخرج الجهنمي بعد إحراقه ينبت كما تنبت الحبة في حميل السيل " ، إشارة لطيفة إلى أن محرق الخواطر لا يضره أن ينبت ضعيفا لأنه لا يزال يقوى بذكرك والانحياز بالذاكرين لك ، حتى ينال من حزبك منزلا شريفا، وعلى آله أغصان دوحته ، وأصحابه حماة دينه وملته ...وبعد.....
فأعلمكم أعلمكم الله خيرا ووقاكم شرا ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من أحدث أخا في الله أحدث الله له درجة في الجنة " ، ولا تجدون الشارع يرتب ثوابا إلا على ما يقرب من الله سبحانه وتعالى لأن الأعمال ليست مرادة لذاتها ، فكل ما لا يقرب من الله وإن كان في الظاهر طاعة فلا عبرة به ، وهذا الذي لا يقرب من الله إن نظرتم فيه وجدتم فيه ما يعود عليه بالإبطال عند الشارع أيضا ، وأما عند أهل الذوق الذين وقفوا بتوفيق الله لهم على حقائق الأمور ، فالأمر عندهم في الإخوان ظاهر ، لأن الأخ في الله وهو الذي يؤاخيك في الله لا لغرض سواه ، وإن كان شيء آخر فيحسب التبع لا بحسب الأصالة في الأخوة ، والقصد الأول رحمة كله لأخيه ، فلقيه رحمة ، وكلامه رحمة ، والنظر إليه رحمة ، والجلوس معه رحمة ، والتفكر فيه بعد فراقه رحمة ، لأنه يدل بأحواله كلها على الله ، فهو إعانة للسائر وزيادة للواصل ، والتجريب الصادق يصدق إن شاء الله ما ذكرناه ، ولذلك اتخذت الأكابر هذه الزوايا ليجتمع فيها الإخوان للذكر والمذاكرة ، وذلك لأن بركة الاجتماع مع الإخوان لا نهاية لها ، والله يا إخوان لو علم العاقل مزية الأخ في الزيادة لحضرة الله ، حتى يشتريه بماله لو كان يباع ، ومهما كثر الإخوان وعظم الجمع قوي المدد ، واستروحوا ذلك من قوله صلى الله عليه وآله وسلم :"اطلبوا المدد عند تزاحم الاقدام"،.... وكما يطلب الجسم رزقه من المطعوم ، فكذلك تطلب الروح رزقها من العلوم والفهوم، ومهما كان الإنسان لا يفارق الإخوان في غالب أحواله إلا اشتد حضوره وقوي مدده ، وثبتت قدمه ، ولا يجد الشيطان إليه سبيلا ، لوفور قوته في الحضور ، بضم قوته إلى قوة مدد الإخوان ، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم :" المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا "

وقد علمتم - يا إخواننا - أن كيد الشيطان وحيله أمر ضعيف ، لقول الحق سبحانه وتعالى ﴿ إن كيد الشيطان كان ضعيفا ﴾[النساء:76 ] يغلب الضعيف إلا من هو أضعف منه ، وأما القوي فلا يسأل عنه ، وأنتم يا إخواننا إن ظهر الناس على كدية من الخير فقد ظهرتم والحمد لله على جبل ، فنحبكم - أحبكم الله - أن تكونوا رجالا ولا تلقوا آذانكم إلى قول قائل ، ودوموا على ما أنتم عليه من اجتماعكم بالزاوية ، وعلى الخصوص يوم الجمعة ، فإن الذكر فيه آكد من غيره ، واستروحوا ذلك من قوله سبحانه وتعالى :﴿ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ﴾ [الجمعة:10] . لأن ابتغاء كل أحد على قدر همته ، وولوع عقله فيما يتعلق به ، وصاحب الهمة العالية - وهي المتعلقة بالله - ليس له ابتغاء يساوي ابتغاء ذكر الحبيب والجلوس مع من يذكره ، أو يذكر فيه لأنه محل بسطه وسروره و ابتهاجه ، وإن ذكر سواء انقبض وتكدر ، ... على عكس أحوال أهل الغفلة عن الله ، أعاذنا الله وإياكم منها .

ومن جمع الإخوان على شيء عادت عليه بركة جمعهم ، فشدوا أيديكم بصدق العزائم على ذكر ربكم والاجتماع عليه ، ولايخفى عنكم أنه سبحانه وتعالى ذاكركم عند ذكركم إياه ، ومقبل عليكم عند إقبالكم عليه ، وكل أمر تتركونه لأجل الاشتغال به يأتيكم الله بخير منه لأن يده العليا ، وما كان في الله تلفه كان على الله خلفه .

واعلموا ... أن ذلك إنما يكون لمن لا غرض له بفعله إلا الله ، تجريدا من الحظوظ ، وأما من يقصد بعمله جزاء فعمله معلول بعلة الجزاء والعوض ، والله سبحانه وتعالى ، لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا له و حده ... فخذوا حذركم - بارك الله فيكم - أن يراكم الحق سبحانه وتعالى قاصدين سواه ، أو ناظرين بعقولكم إليه يزهدكم في كل شيء سواه ، بل لا تروا شيئا سواه ، ويصير الطبع بحكم الطوع و الاختيار خارجا عن الكون وهو ساكن فيه ، والله سبحانه وتعالى يأخذ بيدنا ويدكم ويد المسلمين أجمعين ، والسلام )

النور اللامع البراق في ترجمة الشيخ سيدي محمد الحراق لأبي عبدالله محمد بن العربي الرباطي الدلائي

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق