مواضيع المدونة

الخميس، أكتوبر 08، 2009

الرسالة السادسة والتسعون في امور شتى لمولاي العربي الدرقاوي ق.س

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله



قال مولاي العربي الدرقاوي الحسني قدس الله سره

في رسائله العطرة في الرسالة السادسة والتسعون
وهي "في امور شتى " ।

ومنها : فاعلم – رحمك الله – اني رأيت بعض رسائلك– ياسيدي احمد اكعرير الزياتي – رضي الله عنك – قد قلت : ان العالم الجليل الشريف الاصيل ابا العباس سيدي احمد بن عجيبة الانجري – رحمه الله – له اعتناء بمطالعة كتب التصوف ، فأحرى الحكم العطائية ، وله شرح على الصلاة المشيشية، فظهر لي انك مثله في ذلك ، فلذلك حذرتك من الوقوف معها فيما مر ، وهي وإن كانت في غاية الحسن فهي ايضا لمن وقف معها في غاية القبح ، اذ الاسرار لا تتلقى من السطور وانما تتلقى من الصدور، كما في القرآن العظيم : " وحصل ما في الصدور" ، وظهر لي ان الواردات الالهية التي وردت على سيدي الجنيد وسيدي علي استاذنا ، ونظرائهم – رضي الله عنهم – فترد – ان شاء الله  على سيدي احمد اكعرير ، وعلى سيدي احمد بن عجيبة ، وعلينا وعلى غيرنا ، ان عملنا بما علمنا، اذ جاء في الخبر : ( من عمل بما علم اورثه الله علم ما لم يعلم ) فلا تنحجبا بما للناس من المعاني عما لكما، اذ لكما منها مثل ما للبحر من الامواج ، ولعن الله من كذب ، وقد علمتما ان من عمل بما علم اورثه الله علم ما لم يعلم ।

وعن ابن ابي الحواري عن شيخه الداراني – رضي الله عنهما - : اذا اعتقدت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت وعادا الى صاحبها بطرائف الحكمة ، من غير ان يؤدي اليها عالم علما । وهذا شأن السادات الصوفية – رضي الله عنهم -।
قلوب العارفين لها عيون **ترى ما لا يرى للناظرين
وألسنة بأسرار تناجي **تغيب عن الكرام الكاتبين
وأجنحة تطير بغير ريش ** الى ملكوت رب العالمين
وقد حذر سيدي احمد الحداد الخمسي سيدي ابن عسكر صاحب دوحة الناشر اذ كانا يتكلمان في التصوف – رضي الله عنهما - ، وكان ابن عسكر يكثر من نقل كلام السادات ، فقال له سيدي احمد الحداد : الى متى تقول قال فلان وروى فلان ، فماذا تقول أنت و أنا ؟ ، وكذلك سيدي علي بن ميمون قد حذره شيخه الدباس بالجريد كما بالروحة ।و لا نحذر من العلوم الدينية كما توهم لك – يا سيدي احمد اكعرير – اذ لا يعبد ربنا الا بالعلم ، انما نحذر من الوقوف معه – كما قلنا لك – فكيف نحذر منه ولا أعظم من رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وقد أمره الله ان يقول :" وقل رب زدني علما " وقال عليه الصلاة والسلام : ( كل يوم لا أزداد فيه علما يقربني من الله تعالى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم ) ।
ولا نكره مطالعة كتب التصوف وفيها من الفوائد خرق العوائد ، وقد قالوا : احذر صحبة ثلاثة أصناف من الناس: الجبابرة الغافلين ، والقراء المداهنين ، والمتصوفة الجاهلين ।

وايضا – يا سيدي احمد -: لولا العلم لم يصلح جميعنا لشيء، لكن ان افتقرنا الى ربنا جاءتنا علوم وهبية من عنده ،كما جاءت كل من فرغ قلبه من الشواغل ।


قال الشيخ الجليل ولي الله تعالى ابو العباس سيدي احمد بن عطاء الله – رضي الله عنه – في حكمه : " ربما وردت عليك الانوار فوجدت القلب محشوا بصور الآثار، فارتحلت من حيث نزلت ।فرغ قلبك من الأغيار يملؤها بالمعارف والأسرار "


قلت : والله – يا سيدي احمد اكعرير – ما منعنا الا من عدم افتقارنا الى ربنا ، ولو افتقرنا اليه لأغنانا كما أغنى أقراننا اذ قال تعالى :" ان يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله " ، " انما الصدقات للفقراء" والذل والفقر وصفان من اوصافنا اللازمين لك ، ومع ذلك يثقل علينا ان نكون فقراء اذلاء ، ولا طريق الى الحرية الا من باب الذلة والافتقار ، فعليك بهما ان شئت ان تفوز :-

تذلل لمن تهوى لتكسب عزة ** فكم عزة قد نالها المرء بالذل
اذا كان من تهوى عزيزا ولم تكن ** ذليلا له فاقرا السلام على الوصل
وقال غيره : -
تذلل لمن تهوى فليس الهوى سهل ** اذا رضي المحبوب صح لك الوصل
وقال غيره
اذا كنت لم تصبر على الذل في الهوى ** تفارق من تهوى وأنفك راغم
وقال ابن الفارض :-
ولو عز فيها الذل ما لذ لي الهوى ** ولم تك لولا الذل في الحب عزتي
وقال الشيخ الشاذلي – رضي الله عنه - : والله ما رأينا العز الا في الذل ।
وقلنا – رضي الله عنا -: " والله ما رأينا الذل الا في الفقر، فمن اراد ان يذل نفسه فليفقرها من الدنيا من الناس الا من ينهض منهم حاله ويدل على الله مقاله ، اذ لا شيء أثقل عليها من ذلك ، فانهض اليه – ياسيدي أحمد – ولا تنهض الى غيره ترى عجبا ، واياك ان تقول : حتى .... حتى ، وهكذا الى ان يأت الزعيم فينهض اليه ، ويتركك معك تخوض فيك ، فيأتيك الموت في الخلاء وحدك لا حنينا ولا رحيما ولا شفيقا فتشنقك حتى تغيبك عن الوجود، وتمشي بك الى ربك رغما على انفك ـ ولم يعلم بحالك الا هو، اذ لم تدر ايضا ما يفعل بك ؟ لكن الغالب عليك ان تكون خائفا مفتونا ، والفتنة أشد من القتل ، والله يأخذ بيدنا وبيدك । ولا يعرف سر الافتقار الذي قلنا الا منخرج حب الدنيا من قلبه । واسمع شيئا منه  يا سيدي احمد - : قال ابن عسكر في دوحته : حدثني غير واحد من فضلاء مكناس انهم جدبوا سنة فأتوا الى الشيخ ابي الرواين المجذوب – رضي الله عنه – ليستسقي معهم ، فقال : امهلوني حتى ارجع اليكم، فدخل الى داره ، وتصدق بجميع ما كان بها ، ولم يترك منه شيئا ، ثم لبس تليسا وخرج اليهم وقال : قوموا بنا الآن يصح الطلب ، ويصدق الدعاء ، فما رجعوا حتى كاد ان يحصل الغرق من شدة المطر । فهذا شيء من سر الافتقار، ومن اسرار العجائب والغرائب ، ويكفينا في سره قول الله تعالى :" ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله " ، " انما الصدقات للفقراء " । والشيخ الجليل ولي الله تعالى سيدي ابو الرواين المجذوب – رضي الله عنه – من شيوخ الشيخ الجليل ولي الله تعالى ابو زيد سيدي عبد الرحمن المجذوب – رضي الله عنه -।
واما ما انت عليه من النسك – يا سيدي احمد – فلا يخفى ، لكن نحبك ان تعرف ما اقول لك ، وهو اذا كانت اللحاحة لك في الظاهر لم تكن لك في الباطن ، واذا كانت لك في الباطن لم تكن لك في الظاهر ، اذ القوة لا تكون في الجهتين كما قلنا لك -، وقد كررنا قولنا مرارا متعددة لعل من يسمعه ।
وقلنا في بعض المذاكرة : فلا نحب من يقول : الله ، الله، وحالته الهيمان في الدنيا ، والكب على القيل والقال ، انما نحب من يقوم بالمفروض وبما تأكد من المسنون ، مع ترك ما لا يعني ويتخلق دائما بالخلق الكريم ، فإذا قال " الله " مرة واحدة ، او صلى صلاة واحدة ، او تلا سورة واحدة ، فخير له من الف مرة مع الحالة – والله أعلم ।

فإن فهمت هذا – يا سيدي أحمد – وكنت عليه فإنك تخفف عن نفسك حملهما وتزيد بها الى ربها ، اذ لا شك أنه أقرب للتقوى – والله أعلم - ، كما لا يعرف سر الذل الذي تقدم ايضا الا من ترك نفسه ، كالذي قال : طريقنا هذا لا يصلح الا لاقوام كنست بارواحهم المزابل ، ولا بد من الشيخ في هذا الفن وفي غيره من الفنون ، والله أعلم – اذ قالوا: من لا شيخ له فالشيطان شيخه । وقالوا أيضا : من لا شيخ له لا قبلة له، وقال ابن شيبان – رضي الله عنه – من ليس له استاذ فهو بطال । وحذف الوسائط اختلال، واسناد الفعل لها ضلال ।ونرى - والله أعلم – ان من فتح له في علم الحقيقة من غير واسطة ، فيجب عليه بشريعة اهلها – رضي الله عنهم – ان يتخذ شيخا من شيوخها ، أي : من شيوخ علم الحقيقة – ان وجده – ولا يفقده الا من استغنى فرأى نفسه – والله أعلم ।واما من افتقر اليه فأظنه يجده اينما كان ، إما يأتي الشيخ للمريد ، وإما يأتي المريد الى الشيخ ، القدرة تحمل الشيخ الى المريد، او تحمل المريد الى الشيخ والله على ما نقول وكيل। واما إن سلك الطريقة بدون الشيخ بل برأي نفسه فقط فيكون – والله  كما قال سيدي ابو حامد الغزالي– رضي الله عنه – في بداية الهداية : ان المريد اذا لم يكن له شيخ لم يجيء منه شيء ، كشجرة تنبت في الفيافي ، فإنها تنبت ولا يتم ثمارها ، وأما من يقول : لا شيخ اليوم ، فقد أخطأ وما أصاب ، ولعن الله من كذب । واسمع – يا سيدي احمد – ما وقع لبعض المشارقة اذ جاء الى مغربنا يسأل عن القطب ، فلقي الشيخ الجليل ولي الله تعالى سيدي عبد الوارث اليالصوتي الذي هنا ببني زروال – رضي الله عنه – فسأله عن القطب ؟ فقال له : لو فتح الله بصيرتك لوجدته أمامك ।واما قول الشيخ الجليل ابي العباس سيدي احمد زروق، الذي نقله عن شيخه الحضرمي – رضي الله عنهما– فلا نسمعه ، وان سمعته فلا نقبله ، ولا نعرف منربي ذلك ، وانما نعرف منه البركة ، او نقول: الحكمة لا تنقطع مادام ملك الله ، اذ قال تعالى : " ما ننسخ من ءاية او ننسها نأت بخير منها او مثلها الم تعلم ان الله على كل شيء قدير الم تعلم ان الله له ، ملك السماوات والارض وما لكم من الله من ولي ولا نصير " وقد اعترض علينا به كثير من الفقهاء ، وكثير من غيرهم فلم تقبله عقولنا ، ولم تنشرح اليه صدورنا – ونحن في حال الشباب – فضلا من الله ونعمة । والطرق التي تتبع الحضرمي –رضي الله عنه – انما هي فروع لا الأصل ، والأصل حقا هي الشاذلية المحضة فلا يبدلها مبدل ، ولا يغيرها مغير حتى تقوم الساعة – كما قال الشيخ الجليل ولي الله تعالى سيدي الخروبي الطرابلسي للشيخ الجليل الشريف الاصيل ابي حفص سيدي عمر بن عبدالوهاب الحسني العلمي من حفدة الشيخ القطب الكبير مولانا عبدالسلام بن مشيش – رضي الله عنهم اجمعين –وهذه الطريقة لها حفاظ يحفظونها ولها حراس يحرسونها الى يوم القيامة ، وهم اهل الله تعالى ، وانصار دينه الذين وهبهم الله تعالى العلم الظاهر والعلم الباطن، وامدهم باسمه ( الناصر) ، وباسمه ( الحفيظ ) الى اخر كلامه ، واظنك تعرف هذا في اجوبة الخروبي المذكور للشريف المذكور عن احوال القطبانية ، فإني رأيت شيئا منها بخطك في آخر رسائلنا التي كانت عنده । وقد تكلمنا ذات يوم في أحوال القطبانية ، وفي التخلق بالرحمة ، واستغرقنا في ذلك غاية الاستغراق ، فأيدنا الله بها ، اذ كانت لنا حجة على ما رأينا من احوال القطبانية ، ولم يكن لنا علما بها قط ، انما آتنا ربنا بها من الغيب و من القرب لا من البعد ، ومن عنده المعارف لا من عند غيرهم ، وهذا لا يقع الا لاهل الصدق الكبير ، وقد وقع لنا والحمد لله والشكر لله ، ولا نحب من يغلق باب الله في وجوه عباد الله ، وهي مفتوحة على الدوام ، بل نكرهه الكراهة البالغة ، والله على ما نقول وكيل । ولا نرى الفضل الا لمن يوسع ويسهل على عباد الله امورهم بالآي والاحاديث ، ونرى ايضا من ضيق عليهم ضيق الله عليه ، ومن وسع عليهم وسع الله عليه ، ومن شدد عليهم شدد الله عليه ، او من صعب عليهم صعب الله عليه ، ومن سهل عليهم سهل الله عليه ، ولا شك ان اهل النية والمحبة والصدق والظن الحسن لا يقطعهم عن ربهم قاطع ، ولا يمنعهم منه مانع ، اذ هم دائما سرمدا امنهم الله ، ومنه اليهم من غير حائل لهم ، ولا له سبحانه عنهم ، والحائل محال في حقه – جل جلاله - ، وقد قال الشيخ الجليل البوصيري في بردته : - 
محضتني النصح لكن لست اسمعه **ان المحب عن العذال في صمم
فهم – بارك الله فينا وفيهم وكان لنا ولهم – دائما يتوبون ، دائما يربحون ، دائما يسلكون ، دائما يصلون، فباب الكرم هو الباب يا من لا يفرق بين الصواب ، و اما من يريد الدخول من غيرها فلا يدخل ابدا ، اذ قال تعالى : " فلولا فضل الله عليكم ورحمته ، لكنتم من الخاسرين "، " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ، لاتبعتم الشيطان الاقليلا " ، " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ، ما زكى منكم من احد ابدا " ، الى غير ذلك اذ هو سبحانه قرب من قرب بغير علة ، وبعد من بعد من غير علة ، كما قال تعالى :" ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور" ، والسلام ।

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق