مواضيع المدونة

السبت، نوفمبر 15، 2008

الجزيرة الخضراء والبحر الأبيض المتوسط

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله


قال المجلسي (رحمه الله):
أقول: وجدت رسالة مشتهرة بقصة «الجزيرة الخضراء» في البحر الأبيض أحببت إيرادها لاشتمالها على ذكر من رآه، ولما فيه من الغرائب.
وإنما أفردت لها باباً لأني لم أظفر بها في الأصول المعتبرة. ولنذكرها بعينها كما وجدتها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لمعرفته، والشكر له على ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته، محمد الذي اصطفاه من بين خليقته، وخصنا بمحبة علي والأئمة المعصومين من ذريته، صلى الله عليهم أجمعين، الطيبين الطاهرين، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد..
فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسيد الوصيين، وحجة رب العالمين، وإمام المتقين، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بخط الشيخ الفاضل والعالم العامل، الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الكوفي قدس الله روحه ما هذا صورته:


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم..
وبعد:
فيقول الفقير إلى عفو الله سبحانه وتعالى، الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الإمامي الكوفي عفا الله عنه:
قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العالمين، الشيخ شمس الدين بن نجيح الحلي، والشيخ جلال الدين عبد الله بن الحرام الحلي قدس الله روحيهما، ونور ضريحيهما، في مشهد سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء، مولانا وإمامنا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في النصف من شهر شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة من الهجرة النبوية على مشرفه محمد وآله أفضل الصلاة وأتم التحية، حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي، والفاضل الورع الزكي، زين الدين علي بن فاضل المازندراني، المجاور بالغري ـ على مشرفيه السلام ـ حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين الزكيين الطاهرين، المعصومين السعيدين (عليهما السلام) بسر من رأى، وحكى لهما حكاية ما شاهده ورآه في البحر الأبيض، و«الجزيرة الخضراء» من العجائب.
فمر بي باعث الشوق إلى رؤياه، وسألت تيسير لقياه، والاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه بإسقاط رواته.
وعزمت على الانتقال إلى سر من رأى للاجتماع به.
فاتفق أن الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سر من رأى الى الحلة في أوائل شهر شوال من السنة المذكورة ليمضي على جاري عادته، ويقيم في المشهد الغروي على مشرفه السلام.
فلما سمعت بدخوله إلى الحلة، وكنت يومئذ بها أنتظر قدومه فإذا أنا به وقد أقبل راكبا يريد دار السيد الحسيب، ذي النسب الرفيع، والحسب المنيع،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
السيد فخر الدين الحسن بن علي الموسوي المازندراني نزيل الحلة أطال الله بقاه.
ولم أكن إذ ذاك أعرف الشيخ الصالح المذكور، لكن خلج في خاطري أنه هو.
فلما غاب عن عيني تبعته إلى دار السيد المذكور، فلما وصلت إلى باب الدار رأيت السيد فخر الدين واقفا على باب داره مستبشراً. فلما رآني مقبلاً ضحك في وجهي وعرفني بحضوره.
فاستطار قلبي فرحاً وسروراً ولم أملك نفسي الصبر على الدخول إليه في غير ذلك الوقت.
فدخلت الدار مع السيد فخر الدين، فسلمت عليه، وقبلت يديه، فسأل السيد عن حالي، فقال له: هو الشيخ فاضل بن الشيخ يحيى الطيبي، صديقكم، فنهض واقفاً، وأقعدني في مجلسه، ورحب بي، وأحفى السؤال عن حال أبي وأخي الشيخ صلاح الدين لأنه كان عارفاً بهما سابقاً، ولم أكن في تلك الأوقات حاضراً، بل كنت في بلدة واسط، أشتغل في طلب العلم عند الشيخ العامل الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الواسطي الإمامي تغمده الله برحمته، وحشره في زمرة أئمته (عليهم السلام).
فتحادثت مع الشيخ الصالح المذكور متع الله المؤمنين بطول بقائه، فرأيت في كلامه أمارات تدل على الفضل في أغلب العلوم، من الفقه والحديث، والعربية بأقسامها، وطلبت منه شرح ما حدث به الرجلان الفاضلان، العالمان العاملان، الشيخ شمس الدين، والشيخ جلال الدين، الحليان المذكوران سابقاً، عفا الله عنهما.
فقص لي، القصة من أولها إلى آخرها، بحضور السيد الجليل السيد فخر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
الدين نزيل الحلة صاحب الدار، وحضور جماعة من علماء الحلة والأطراف، قد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور وفقه الله، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر شوال سنة تسع وتسعين وستمائة.
وهذه صورة ما سمعته من لفظه، أطال الله بقاءه وربما وقع في الألفاظ التي نقلتها من لفظه تغيير، لكن المعاني واحدة.
قال حفظه الله تعالى:
قد كنت مقيماً في دمشق الشام، منذ سنين، مشتغلاً بطلب العلم، عند الشيخ الفاضل الشيخ عبد الرحيم الحنفي وفقه الله لنور الهداية في علمي الأصول والعربية، وعند الشيخ زين الدين علي المغربي الأندلسي المالكي في علم القراءة لأنه كان عالماً فاضلاً، عارفاً بالقراءات السبع وكانت له معرفة في أغلب العلوم، من الصرف، والنحو، والمنطق، والبيان، والأصولين(1) وكان لين الطبع، لم يكن عنده معاندة في البحث، ولا في المذاهب لحسن ذاته.
فكان إذا جرى ذكر الشيعة يقول: قال علماء الإمامية. بخلاف المدرسين، فإنهم كانوا يقولون عند ذكر الشيعة: قال علماء الرافضة.
فاختصصت به، وتركت التردد إلى غيره فأقمنا على ذلك برهة من الزمان، أقرأ عليه في العلوم المذكورة.
فاتفق أنه عزم على السفر من دمشق الشام، يريد الديار المصرية فكثرة المحبة التي كانت بيننا عز علي مفارقته، وهو أيضاً كذلك فآل(2) الأمر إلى أنه
ـــــــــــــــ
(1) كأنه يريد أصول الفقه وأصول الدين، وأما ما في الأصل المطبوع: الأصوليين. فهو تصحيف.
(2) في المطبوعة: قال. وهو تصحيف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
هداه الله صمم العزم على صحبتي له إلى مصر، وكان عنده جماعة من الغرباء مثلي، يقرؤون عليه فصحبه أكثرهم.
فسرنا في صحبته إلى أن وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة بالفاخرة(1)، وهي أكبر من مدائن مصر كلها، فأقام بالمسجد الأزهر مدة يدرس. فتسامع فضلاء مصر بقدومه فوردوا كلهم لزيارته وللانتفاع بعلومه، فأقام في قاهرة مصر مدة تسعة أشهر، ونحن معه على أحسن حال إذا بقافلة قد وردت من الأندلس، ومع رجل منها كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يعرفه فيه بمرض شديد قد عرض له، وأنه يتمنى الاجتماع به قبل الممات، ويحثه فيه على عدم التأخير.
فرقّ الشيخ من كتاب أبيه وبكى، وصمم العزم على المسير إلى جزيرة الأندلس، فعزم بعض التلامذة على صحبته، ومن الجملة أنا، لأنه هداه الله قد كان أحبني محبة شديدة، وحسن لي المسير معه فسافرت إلى الأندلس في صحبته، فحيث وصلنا إلى أول قرية من الجزيرة المذكورة، عرضت لي حمى منعتني عن الحركة.
فحيث رآني الشيخ على تلك الحالة رق لي وبكى، وقال: يعز علي مفارقتك، فأعطى خطيب تلك القرية التي وصلنا إليها عشرة دراهم، وأمره أن يتعاهدني حتى يكون مني أحد الأمرين، وإن منّ الله بالعافية أتبعه إلى بلده، هكذا عهد إليّ بذلك وفقه الله بنور الهداية إلى طريق الحق المستقيم، ثم مضى إلى بلد الأندلس، ومسافة الطريق من ساحل البحر إلى بلده خمسة أيام.
ـــــــــــــــ
(1) الظاهر أن الصحيح هو: القاهرة।

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيام لا أستطيع الحركة لشدة ما أصابني من الحمى ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمى، وخرجت أدور في سكك تلك القرية فرأيت قفلاً قد وصل من جبال قريبة من شاطئ البحر الغربي، يجلبون الصوف والسمن والأمتعة فسألت عن حالهم فقيل:
إن هؤلاء يجيئون من جهة قريبة من أرض البربر، وهي قريبة من جزائر الرافضة.
فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت إليهم، وجذبني باعث الشوق إلى أرضهم فقيل لي:
إن المسافة خمسة وعشرون يوماً، منها يومان بغير عمارة ولا ماء.
وبعد ذلك فالقرى متصلة، فاكتريت معهم من رجل حماراً بمبلغ ثلاثة دراهم، لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيها، فلما قطعنا معهم تلك المسافة، ووصلنا أرضهم العامرة، تمشيت راجلاً، وتنقلت على اختياري من قرية إلى أخرى «إلى» أن وصلت إلى أول تلك الأماكن، فقيل لي:
إن جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيام، فمضيت، ولم أتأخر.
فوصلت إلى جزيرة ذات أسوار عالية، أولها أبراج محكمات شاهقات، وتلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطئ البحر، فدخلت من باب كبيرة يقال لها: باب البربر، فدرت في سككها أسأل عن مسجد البلد فهديت عليه، ودخلت إليه فرأيته جامعاً كبيراً، معظماً، واقعاً على البحر من الجانب الغربي من البلدة، فجلست في جانب المسجد لأستريح وإذا بالمؤذن يؤذن للظهر ونادى بحي على خير العمل. ولما فرغ دعا بتعجيل الفرج للإمام صاحب الزمان (عليه السلام).
فأخذتني العبرة بالبكاء، فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
وشرعوا في الوضوء، على عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من المسجد، وأنا أنظر إليهم فرحاً مسروراً لما رأيته من وضوئهم المنقول عن أئمة الهدى (عليهم السلام).
فلما فرغوا من وضوئهم، وإذا برجل قد برز من بينهم بهيّ الصورة، عليه السكينة والوقار، فتقدم إلى المحراب، وأقام الصلاة، فاعتدلت الصفوف وراءه وصلى بهم إماماً، وهم به مأمومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة، والتسبيح. ومن شدة ما لقيته من وعثاء السفر، وتعبي في الطريق لم يمكنني أن أصلي معهم الظهر.
فلما فرغوا ورأوني أنكروا علي عدم اقتدائي بهم فتوجهوا نحوي بأجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين أصلي، وما مذهبي؟ فشرحت لهم أحوالي وأني عراقي الأصل، وأما مذهبي فإنني رجل مسلم أقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله «بالهدى» ودين الحق، ليظهره على الأديان كلها ولو كره المشركون.
فقالوا لي: لم تنفعك هاتان الشهادتان إلا لحقن دمك في دار الدنيا.
لم لا تقول الشهادة الأخرى لتدخل الجنة بغير حساب؟
فقلت لهم: وما تلك الشهادة الأخرى؟
اهدوني إليها يرحمكم الله.
فقال لي إمامهم: الشهادة الثالثة هي أن تشهد أن أمير المؤمنين، ويعسوب المتقين، وقائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب والأئمة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول الله، وخلفاؤه من بعده بلا فاصلة، قد أوجب الله عز وجل طاعتهم على عباده، وجعلهم أولياء أمره ونهيه، وحججاً على خلقه في أرضه، وأماناً لبريته، لأن الصادق الأمين محمداً رسول رب العالمين (صلى الله عليه وآله)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
أخبر بهم عن الله تعالى مشافهة من نداء الله عز وجل له (صلى الله عليه وآله) في ليلة معراجه إلى السماوات السبع، وقد صار من ربه كقاب قوسين أو أدنى، وسماهم له واحداً بعد واحد، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
فلما سمعت مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه على ذلك، وحصل عندي أكمل السرور، وذهب عني تعب الطريق من الفرح، وعرّفتهم أني على مذهبهم، فتوجهوا إلي توجه إشفاق، وعينوا لي مكاناً في زوايا المسجد، وما زالوا يتعاهدوني بالعزة والإكرام مدة إقامتي عندهم، وصار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلاً ولانهاراً.
فسألته عن ميرة(1) أهل بلده من أين تأتي إليهم فإني لا أرى لهم أرضاً مزروعة.
فقال: تأتي إليهم ميرتهم من «الجزيرة الخضراء» من البحر الأبيض، من جزائر أولاد الإمام صاحب الأمر (عليه السلام).
فقلت له: كم تأتيكم ميرتكم في السنة؟
فقال: مرتين، وقد أتت مرة وبقيت الأخرى.
فقلت: كم بقي حتى تأتيكم؟
قال: أربعة أشهر.
فتأثرت لطول المدة، ومكثت عندهم مقدار أربعين يوماً أدعو الله ليلاً ونهاراً بتعجيل مجيئها، وأنا عندهم في غاية الإعزاز والإكرام، ففي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدة فخرجت إلى شاطىء البحر، أنظر إلى جهة المغرب التي ذكر أهل البلد أن ميرتهم تأتي إليهم من تلك الجهة.
ـــــــــــــــ
(1) الميرة: الطعام والأرزاق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
فرأيت شبحاً من بعيد يتحرك، فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد. وقلت لهم: هل يكون في البحر طير أبيض؟
فقالوا لي: لا، فهل رأيت شيئاً؟
قلت: نعم. فاستبشروا، وقالوا: هذه المراكب التي تأتي إلينا كل سنة من أولاد الإمام (عليه السلام).
فما كان إلا قليل حتى قدمت تلك المراكب، وعلى قولهم: إن مجيئها كان في غير الميعاد فقدم مركب كبير وتبعه آخر، وآخر، حتى كملت سبعاً، فصعد(1) من المركب الكبير، شيخ مربوع القامة، بهي المنظر، حسن الزي، ودخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن أئمة الهدى (عليهم السلام)، وصلى الظهرين، فلما فرغ من صلاته التفت نحوي مسلماً علي فرددت (عليه السلام)، فقال:
ما اسمك وأظن أن اسمك علي؟
قلت: صدقت.
فحادثني بالسر محادثة من يعرفني.
فقال: ما اسم أبيك؟ ويوشك أن يكون فاضلاً.
قلت: نعم. ولم أكن أشك في أنه قد كان في صحبتنا من دمشق.
فقلت: أيها الشيخ ! ما أعرفك بي وبأبي؟ هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام إلى مصر؟
فقال: لا.
قلت: ولا من مصر إلى الأندلس؟
ـــــــــــــــ
(1) أي صعد على الساحل.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
قال: لا. ومولاي صاحب العصر.
قلت له: فمن أين تعرفني باسمي واسم أبي؟.
قال: اعلم أنه قد تقدم إلي وصفك، وأصلك، ومعرفة اسمك، وشخصيتك، وهيأتك، واسم أبيك، وأنا أصحبك معي إلى «الجزيرة الخضراء».
فسررت بذلك حيث قد ذُكرت ولي عندهم اسم.
وكان من عادته: أنه لا يقيم عندهم إلا ثلاثة أيام فأقام أسبوعاً وأوصل الميرة إلى أصحابها المقررة لهم، فلما أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم، عزم على السفر، وحملني معه، وسرنا في البحر.
فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض، فجعلت أطيل النظر إليه، فقال لي الشيخ واسمه محمد: ما لي أراك تطيل النظر إلى هذا الماء.
فقلت له: إني أراه على غير لون ماء البحر.
فقال لي: هذا هو البحر الأبيض، وتلك «الجزيرة الخضراء»، وهذا الماء مستدير حوله مثل السور، من أي الجهات أتيته وجدته، وبحكمة الله تعالى إن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت ـ وإن كانت محكمةً ـ ببركة مولانا وإمامنا صاحب العصر (عليه السلام)، فاستعمله، وشربت منه. فإذا هو كماء الفرات.
ثم إنّا لما قطعنا ذلك الماء الأبيض، وصلنا إلى «الجزيرة الخضراء» لا زالت عامرة أهله ثم صعدنا من المركب الكبير إلى الجزيرة، ودخلنا البلد، فرأيته محصناً بقلاع وأبراج، وأسوار سبعة واقعة على شاطئ البحر، ذات أنهار وأشجار مشتملة على أنواع الفواكه والأثمار المنوعة، وفيها أسواق كثيرة، وحمامات عديدة، وأكثر عمارتها برخام شفاف وأهلها في أحسن الزي والبهاء واستطار قلبي سروراً لما رأيته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
ثم مضى بي رفيقي محمد بعدما استرحنا في منزله إلى الجامع المعظم، فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس، عليه من المهابة والسكينة والوقار ما لا أقدر [أن] أصفه. والناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم، ويقرؤون عليه القرآن والفقه، والعربية بأقسامها، وأصول الدين والفقه الذي يقرؤونه عن صاحب الأمر (عليه السلام) مسألة مسألة، وقضية قضية، وحكماً حكماً.
فلما مثلت بين يديه رحب بي وأجلسني في القرب منه، وأحفى السؤال عن تعبي في الطريق وعرفني أنه تقدم إليه كل أحوالي، وأن الشيخ محمد رفيقي إنما جاء بي معه بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه.
ثم أمر لي بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد، وقال لي:
هذا يكون لك إذا أردت الخلوة والراحة، فنهضت ومضيت إلى ذلك الموضع، فاسترحت فيه إلى وقت العصر، وإذا أنا بالموكل بي قد أتى إلي وقال لي: لا تبرح من مكانك حتى يأتيك السيد وأصحابه لأجل العشاء معك، فقلت: سمعاً وطاعةً.
فما كان إلا قليل وإذا بالسيد سلمه الله قد أقبل، ومعه أصحابه، فجلسوا ومدت المائدة فأكلنا ونهضنا إلى المسجد مع السيد لأجل صلاة المغرب والعشاء.
فلما فرغنا من الصلاتين ذهب السيد إلى منزله، ورجعت إلى مكاني وأقمت على هذه الحال مدة ثمانية عشر يوماً، ونحن في صحبته أطال الله بقاءه.
فأول جمعة صليتها معهم رأيت السيد سلمه الله صلى الجمعة ركعتين فريضة واجبة، فلما انقضت الصلاة قلت: يا سيدي قد رأيتكم صليتم الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
ركعتين فريضة واجبة.
قال: نعم، لأن شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت.
فقلت في نفسي: ربما كان الإمام (عليه السلام) حاضراً.
ثم في وقت آخر سألت منه في الخلوة: هل كان الإمام حاضراً؟
فقال: لا، ولكني أنا النائب الخاص بأمر صدر عنه (عليه السلام).
فقلت: يا سيدي وهل رأيت الإمام (عليه السلام)؟
قال: لا، ولكن حدثني أبي ـ رحمه الله ـ أنه سمع حديثه ولم ير شخصه، وأن جدي ـ رحمه الله ـ سمع حديثه، ورأى شخصه.
فقلت له: ولم ذاك يا سيدي، يختص بذلك رجل دون آخر؟
فقال لي: يا أخي إن الله سبحانه وتعالى يؤتي الفضل من يشاء من عباده وذلك لحكمة بالغة، وعظمة قاهرة كما أن الله تعالى اختص من عباده الأنبياء والمرسلين، والأوصياء المنتجبين، وجعلهم أعلاماً لخلقه، وحججاً على بريته، ووسيلة بينهم وبينه ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ولم يخل أرضه بغير حجة على عباده للطفه بهم، ولابد لكل حجة من سفير يبلغ عنه.
ثم إن السيد سلمه الله أخذ بيدي إلى خارج مدينتهم، وجعل يسير معي نحو البساتين، فرأيت فيها أنهاراً جارية، وبساتين كثيرة، مشتملة على أنواع الفواكه، عظيمة الحسن والحلاوة، من العنب والرمان، والكمثرى وغيرها، ما لم أرها في العراقين، ولا في الشامات كلها.
فبينما نسير من بستان إلى آخر إذ مر بنا رجل بهي الصورة، مشتمل ببردين من صوف أبيض فلما قرب منا سلم وانصرف عنا، فأعجبتني هيئته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
فقلت للسيد سلمه الله: من هذا الرجل؟
قال لي: أتنظر إلى هذا الجبل الشاهق؟
قلت: نعم.
قال: إن في وسطه لمكاناً حسناً، وفيه عين جارية، تحت شجرة ذات أغصان كثيرة، وعندها قبة مبنية بالآجر، وإن هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبة، وأنا أمضي إلى هناك في كل صباح جمعة، وأزور الإمام (عليه السلام) منها، وأصلي ركعتين، وأجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين. فمهما تضمنته الورقة أعمل به، فينبغي لك أن تذهب إلى هناك وتزور الإمام (عليه السلام) من القبة.
فذهبت إلى الجبل فرأيت القبة على ما وصف لي سلمه الله، ووجدت هناك خادمين، فرحب بي الذي مر علينا وأنكرني الآخر فقال له: لا تنكره، فإني رأيته في صحبة السيد شمس الدين العالم، فتوجه إلي، ورحب بي وحادثاني وأتيا لي بخبز وعنب فأكلت وشربت من ماء تلك العين التي عند تلك القبة، وتوضأت وصليت ركعتين.
وسألت الخادمين عن رؤية الإمام (عليه السلام).
فقالا لي: الرؤية غير ممكنة، وليس معنا إذن في إخبار أحد فطلبت منهم الدعاء، فدعيا لي، وانصرفت عنهما، ونزلت من ذلك الجبل إلى أن وصلت إلى المدينة. فلما وصلت إليها ذهبت إلى دار السيد شمس الدين العالم، فقيل لي:إنه خرج في حاجة له، فذهبت إلى دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المركب فاجتمعت به، وحكيت له عن مسيري إلى الجبل، واجتماعي بالخادمين، وإنكار الخادم علي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
فقال لي: ليس لأحد رخصة في الصعود إلى ذلك المكان سوى السيد شمس الدين وأمثاله، فلهذا وقع الإنكار منه لك.
فسألته عن أحوال السيد شمس الدين أدام الله أفضاله.
فقال: إنه من أولاد أولاد الإمام، وأن بينه وبين الإمام (عليه السلام) خمسة آباء، وأنه النائب الخاص عن أمر صدر منه (عليه السلام).
قال الشيخ الصالح زين الدين علي بن فاضل المازندراني، المجاور بالغري على مشرفه السلام.
واستأذنت السيد شمس الدين العالم، أطال الله بقاءه في نقل بعض المسائل التي يحتاج إليها عنه، وقراءة القرآن المجيد، ومقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدينية وغيرها، فأجاب إلى ذلك وقال:
إذا كان ولا بد من ذلك فابدأ أولاً بقراءة القرآن العظيم.
فكان كلما قرأت شيئاً فيه خلاف بين القراء أقول: قرأ حمزة كذا، وقرأ الكسائي كذا، وقرأ عاصم كذا، وأبو عمرو بن كثير كذا.
فقال السيد سلمه الله: نحن لا نعرف هؤلاء، وإنما القرآن نزل على سبعة أحرف، قبل الهجرة من مكة إلى المدينة وبعدها لما حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع، نزل عليه الروح الأمين جبرائيل (عليه السلام).
فقال: يا محمد، اتل علي القرآن حتى أعرفك أوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها.
فاجتمع إليه علي بن أبي طالب، وولداه الحسن والحسين (عليهم السلام)، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وحسان بن ثابت، وجماعة من الصحابة رضي الله عن المنتجبين منهم، فقرأ النبي القرآن من أوله إلى آخره فكان كلما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
مر بموضع فيه اختلاف بيّنه له جبرائيل (عليه السلام)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب ذاك في درج من أدم. فالجميع قراءة أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين.
فقلت له: يا سيدي أرى بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها، وبما بعدها كأن فهمي القاصر، لم يصر إلى غورية(1) ذلك.
فقال: نعم، الأمر كما رأيته وذلك «أنه» لما انتقل سيد البشر محمد بن عبد الله من دار الفناء إلى دار البقاء، وفعل صنما قريش ما فعلاه، من غصب الخلافة الظاهرية، جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) القرآن كله، ووضعه في إزار وأتى به إليهم وهم في المسجد.
فقال لهم: هذا كتاب الله سبحانه أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أعرضه إليكم لقيام الحجة عليكم، يوم العرض بين يدي الله تعالى.
فقال له فرعون هذه الأمة ونمرودها: لسنا محتاجين إلى قرآنك.
فقال (عليه السلام): لقد أخبرني حبيبي محمد (صلى الله عليه وآله) بقولك هذا، وإنما أردت بذلك إلقاء الحجة عليكم.
فرجع أمير المؤمنين (عليه السلام) به إلى منزله، وهو يقول: لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، لا راد لما سبق في علمك، ولا مانع لما اقتضته حكمتك فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك.
فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين، وقال لهم: كل من عنده قرآن من آية أو سورة، فليأت بها، فجاءه أبو عبيدة بن الجراح، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد
ـــــــــــــــ
(1) كذا في الأصل المطبوع والقياس «غور ذلك» يقال غار في الأمر غوراً: أي دقق النظر فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
الله، وأبو سعيد الخدري، وحسان بن ثابت، وجماعات المسلمين وجمعوا هذا القرآن وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منهم، بعد وفاة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله).
فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة، والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) بخطه محفوظ عند صاحب الأمر (عليه السلام)، فيه كل شيء حتى أرش الخدش، وأما هذا القرآن، فلا شك ولا شبهة في صحته، وإنما كلام الله سبحانه، هكذا صدر عن صاحب الأمر (عليه السلام).
قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل: ونقلت عن السيد شمس الدين حفظه الله مسائل كثيرة تنوف على تسعين مسألة، وهي عندي. جمعتها في مجلد وسميتها بالفوائد الشمسية ولا أطلع عليها إلا الخاص من المؤمنين، وستراه إنشاء الله تعالى.
فلما كانت الجمعة الثانية، وهي الوسطى من جمع الشهر، وفرغنا من الصلاة وجلس السيد سلمه الله في مجلس الإفادة للمؤمنين، وإذا أنا أسمع هرجا ومرجا، وجزلة(1) عظيمة خارج المسجد فسألت من السيد عما سمعته فقال لي: إن أمراء عسكرنا يركبون في كل جمعة من وسط كل شهر، وينتظرون الفرج فاستأذنته في النظر إليهم فأذن لي.
إذا هم جمع كثير، يسبحون الله ويحمدونه، ويهللونه جل وعز، ويدعون بالفرج للإمام القائم بأمر الله والناصح لدين الله [م ح م د] بن الحسن المهدي الخلف الصالح، صاحب الزمان (عليه السلام).
ثم عدت إلى مسجد السيد سلمه الله، فقال لي: رأيت العسكر؟
ـــــــــــــــ
(1) من قولهم: «جزل الحمام: صاح» فالمراد بالجزلة صياح الناس ولغطهم.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
فقلت: نعم.
قال: فهل عددت أمراءهم؟
قلت: لا.
قال: عدتهم ثلاث مائة ناصر، وبقي ثلاثة عشر ناصرا، ويعجل الله لوليه الفرج بمشيئته، إنه جواد كريم.
قلت: يا سيدي ومتى يكون الفرج؟.
قال: يا أخي إنما العلم عند الله، والأمر متعلق بمشيئته سبحانه وتعالى، حتى إنه ربما كان الإمام (عليه السلام) لا يعرف ذلك، بل له علامات وأمارات تدل على خروجه.
من جملتها:
أن ينطق ذوالفقار بأن يخرج من غلافه، ويتكلم بلسان عربي مبين:
قم يا ولي الله، على اسم الله فاقتل بي أعداء الله.
ومنها:
ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلهم:
الصوت الأول:
أزفت الآزفة، يا معشر المؤمنين.
والصوت الثاني:
ألا لعنة الله على الظالمين لآل محمد (عليهم السلام).والثالث:
بدن يظهر، فيرى في قرن الشمس، يقول: إن الله بعث صاحب الأمر [م ح م د] بن الحسن المهدي (عليه السلام)، فاسمعوا له وأطيعوا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة/
فقلت: يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر (عليه السلام):
أنه قال لما أمر بالغيبة الكبرى: من رآني بعد غيبتي فقد كذب فكيف فيكم من يراه.
فقال: صدقت، إنه (عليه السلام) إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل البيت، وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتى إن الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذكره.
وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء. وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم، وببركته (عليه السلام) لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول إلينا.
قلت: يا سيدي! قد روت علماء الشيعة حديثاً عن الإمام (عليه السلام) أنه أباح الخمس لشيعته فهل رويتم عنه ذلك؟.
قال: نعم، إنه (عليه السلام) رخص وأباح الخمس لشيعته من ولد علي (عليه السلام) وقال: هم في حل من ذلك.
قلت: وهل رخص للشيعة أن يشتروا الإماء والعبيد من سبي العامة؟ قال: نعم، ومن سبي غيرهم لأنه (عليه السلام) قال: عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم، وهاتان المسألتان زائدتان على المسائل التي سميتها لك.
وقال السيد سلمه الله: إنه يخرج من مكة بين الركن والمقام في سنة وتر فليرتقبها المؤمنون.
فقلت: يا سيدي، قد أحببت المجاورة عندكم إلى أن يأذن الله بالفرج.
فقال لي: اعلم يا أخي أنه تقدم إلي كلام بعودك إلى وطنك، ولا يمكنني وإياك المخالفة لأنك ذو عيال وغبت عنهم مدة مديدة، ولا يجوز لك التخلف عنهم أكثر من هذا. فتأثرت من ذلك، وبكيت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة /
وقلت: يا مولاي، وهل تجوز المراجعة في أمري؟
قال: لا.
قلت: يا مولاي، وهل تأذن لي في أن أحكي كلما قد رأيته وسمعته؟
قال: لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم، إلا كيت وكيت، وعين ما لا أقوله.
فقلت: يا سيدي، أما يمكن النظر إلى جماله وبهائه (عليه السلام).
قال: لا، ولكن اعلم يا أخي أن كل مؤمن مخلص يمكن أن يرى الإمام ولا يعرفه.
فقلت: يا سيدي، أنا من جملة عبيده المخلصين، ولا رأيته.
فقال لي: بل رأيته مرتين مرة منها أتيت إلى سر من رأى وهي أول مرة جئتها، وسبقك أصحابك، وتخلفت عنهم، حتى وصلت إلى نهر لا ماء فيه.
فحضر عندك فارس على فرس شهباء، وبيده رمح طويل، وله سنان دمشقي، فلما رأيته خفت على ثيابك. فلما وصل إليك قال لك:
لا تخف اذهب إلى أصحابك، فإنهم ينتظرونك تحت تلك الشجرة. فأذكرني والله ما كان.
فقلت: قد كان ذلك يا سيدي.
قال: والمرة الأخرى حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخك الأندلسي، وانقطعت عن القافلة، وخفت خوفاً شديداً، فعارضك فارس على فرس غراء محجلة، وبيده رمح أيضا، وقال لك:
سر ولا تخف إلى قرية على يمينك، ونم عند أهلها الليلة، وأخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه، ولا تتق منهم، فإنهم مع قرى عديدة جنوبي دمشق، مؤمنون مخلصون، يدينون بدين علي بن أبي طالب والأئمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة/
المعصومين من ذريته (عليه السلام).
أكان ذلك يابن فاضل؟.
قلت: نعم وذهبت إلى عند القرية، ونمت عندهم فأعزوني. وسألتهم عن مذهبهم فقالوا لي: من غير تقية مني نحن على مذهب أمير المؤمنين، وصي رسول رب العالمين، علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين من ذريته (عليهم السلام).
فقلت لهم: من أين لكم هذا المذهب؟ ومن أوصلها إليكم؟.
قالوا: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حين نفاه عثمان إلى الشام، ونفاه معاوية إلى أرضنا هذه، فعمتنا بركته، فلما أصبحت طلبت منهم اللحوق بالقافلة: فجهزوا معي رجلين ألحقاني بها، بعد أن صرحت لهم بمذهبي.
فقلت له: يا سيدي، هل يحج الإمام (عليه السلام) في كل مدة بعد مدة؟.
قال لي: يا بن فاضل! الدنيا خطوة مؤمن فكيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده، ووجود آبائه (عليهم السلام). نعم، يحج في كل عام ويزور آباءه في المدينة، والعراق، وطوس، على مشرفيها السلام، ويرجع إلى أرضنا هذه.
ثم إن السيد شمس الدين حث علي بعدم التأخير بالرجوع إلى العراق وعدم الإقامة في بلاد المغرب، وذكر لي أن دراهمهم مكتوب عليها لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، محمد بن الحسن القائم بأمر الله.
وأعطاني السيد منها خمسة دراهم وهي محفوظة عندي للبركة.
ثم إنه سلمه الله وجهني مع المراكب التي أتيت معها، إلى أن وصلنا إلى تلك البلدة التي أول ما دخلتها من أرض البربر.
وكان قد أعطاني حنطة وشعيراً فبعتها في تلك البلدة بمائة وأربعين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة/
ديناراً ذهباً، من معاملة(1) بلد المغرب.
ولم أجعل طريقي على الأندلس امتثالاً لأمر السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه.
وسافرت منها مع الحجج المغربي(2) إلى مكة شرفها الله تعالى وحججت، وجئت إلى العراق. وأريد المجاورة في الغري على مشرفيها السلام حتى الممات.
قال الشيخ زين الدين، علي بن فاضل المازندراني: لم أر لعلماء الإمامية عندهم ذكراً سوى خمسة: السيد المرتضى الموسوي، والشيخ أبو جعفر الطوسي، ومحمد بن يعقوب الكليني، وابن بابويه، والشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي.
هذا آخر ما سمعته من الشيخ الصالح التقي، والفاضل الزكي، علي بن فاضل المذكور أدام الله أفضاله، وأكثر من علماء الدهر وأتقيائه أمثاله.
والحمد لله أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، وصلى الله على خير خلقه سيد البرية، محمد وعلى آله الطاهرين المعصومين وسلم تسليماً كثيراً(3).
بيان:
«اللقلقة» بفتح اللامين: الصوت، والقفل، بالتحريك: اسم جمع للقافل، وهو الراجع من السفر، وبه سمي القافلة. قوله: «تنوف» أي تشرف وترتفع، وتزيد.
ـــــــــــــــ
(1) المعاملة: قد يطلق ويراد به ما يتعامل به من الدينار والدرهم.
(2) الحجج بضمتين: جمع للحجاج شاذ اللسان.
(3) البحار ج 52 ص 159/174 والنص موجود أيضاً في تبصرة الولي ص 243/251 وثمة مصادر أخرى قد أوردته ولكنها قد نقلته عمن ذكرنا، ولذا فلا حاجة إلى ذكرها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق