مواضيع المدونة

الخميس، أبريل 12، 2012

قلب العبد لابن عربي قدس سره

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد

قال مولانا ابن عربي الحاتمي قدس سره في الفتوحات المكية:

اعلم أيدنا الله وإياك بروح القدس أن رحمة الله وسعت كل شئ ومن رحمته إن خلق الله بها قلب عبده وجعله أوسع من رحمته فإن قلب المؤمن وسع الحق كما ورد أن الله يقول ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فرحمته مع اتساعها يستحيل أن تتعلق به أو تسعه فإنها وإن كانت منه فلا تعود عليه وما أحال تعالى عليه أن يسعه قلب عبده وذلك أنه الذي يفقه عن الله ويعقل عنه وقد أمره بالعلم به وما أمره إلا بما يمكن أن يقوم به فيكون الحق معلوما معقولا للعبد في قلبه ولا يتصف بأنه تعالى مرحوم فهذا يدلك على إن الرحمة لا تناله من خلقه كما يناله التقوى أعني تقوى القلوب كما قال
ولكن يناله التقوى منكم وقال فإنها يعني شعائر الله وهي ضرب من العلم به من تقوى القلوب وقال تعالى أم لهم قلوب يعقلون بها وما جعلها عقلا إلا ليعقل عنه العبد بها ما يخاطبه به ومما خاطبه به إن رحمته وسعت كل شئ وأن قلبه وسعه جل جلاله إلا أن ثم سرا أشير إليه ولا أبسطه وهو أن الله أخبر أنه أحب أن يعرف ومقتضى الحب معروف فخلق الخلق وتعرف إليهم فعرفوه فما عرفوه بنظرهم وإنما عرفوه بتعريفه إياهم فهذي إشارة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد والمحبة علم ذوق وما فينا إلا محب ومن أحب عرف مقتضى الحب فمن هنا تعرف عموم الرحمة والحديث الآخر غضب الله الكائن من إغضاب العبد ثم قال عنه التراجمة ع في باب الشفاعة إذا سألوهم الخلق فيها يوم القيامة فيقولون إن الله قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغصب بعده مثله فزال الغضب بالانتقام وأخبر ص أن الصدقة تطفئ غضب الرب وهو الموفق عبده لما تصدق به فهو المطفئ غضبه بما وفق إليه عبده وهذا كثير لكن هذا القدر عند عباد الله منه فإنا لا نزيد عليه لأنا ما عرفناه إلا بتعريفه وهذا من جملة تعريفه لا من نظر المخلوق فلما اتخذ الله قلب عبده بيتا لأنه جعله محل العلم به العرفاني لا النظري حماه وغار عليه أن يكون محلا لغيره والعبد جامع فلا بد أن يظهر الحق تعالى لهذا العبد في صور شتى أي في صورة كل شئ لأنه محل للعلم بكل شئ وليس محل العلم بالأشياء إلا القلب والحق يغار على قلب عبده أن يكون فيه غير ربه فاطلعه أنه صورة كل شئ وعين كل شئ فوسع كل شئ قلب العبد لأن كل شئ حق فما وسعه إلا الحق فمن علم الحق من حقيته فقد علم كل شئ وليس من علم شيئا علم الحق وعلى الحقيقة فما علم العبد ذلك الشئ الذي يزعم أنه علمه لأنه لو علمه علم أنه الحق فلما لم يعلم أنه الحق قلنا فيه إنه لم يعلمه وإنما قال قلب المؤمن لا غير المؤمن لكون المعرفة بالله لا تكون إلا بتعريفه لا بحكم النظر الفكري ولا يقبل تعريفه به تعالى إلا المؤمن فإن غير المؤمن لا يقبل ذلك جملة واحدة فإنه الناظر على أحد ثلاثة أمور إما أن يحيل ذلك الذي ورد به التعريف على الحق فينقسم هنا المحيلون على أقسام فمنهم من يطعن في الرسل ويجعلهم تحت سلطان الخيال وهذه الطائفة من الأخسرين الذين أضلهم الله وأعماهم عن طريق الهدى بل في طريق الهدى لو علموا فهؤلاء قد جمعوا بين الجهل وبين المروق من الدين فلا حظ لهم في السعادة وقسم آخر منهم قالوا إن الرسل هم أعلم الناس بالله فتنزلوا في الخطاب على قدر أفهام الناس لا على ما هو الأمر عليه فإنه محال فهؤلاء كذبوا الله ورسوله فيما نسب الله إلى نفسه وإلى رسله بحسن عبارة كما يقول الإنسان إذا أراد أن يتأدب مع شخص آخر إذا حدثه بحديث يرى السامع في نظره أنه ليس كما قال المخبر فلا يقول له كذبت وإنما يقول له يصدق سيدي ولكن ما هو الأمر على هذا وإنما الأمر الذي ذكره سيدي على صورة كذا وكذا فهو يكذبه ويجهله بحسن عبارة هكذا فعل هؤلاء المتأولين وقسم آخر لا يقول بأنه نزل في العبارة إلى أفهام الناس وإنما يقول ليس المراد بهذا الخطاب إلا كذا وكذا ما المراد منه ما تفهمه العامة وهذا موجود في اللسان الذي جاء به هذا الرسول فهؤلاء أشبه حالا ممن تقدم إلا أنهم متحكمون في ذلك على الله بقولهم هذا هو المفهوم من اللسان وكذلك الذي يعتقده عامة ذلك اللسان هو أيضا المفهوم من ذلك فما يمنع أن يكون المجموع فأخطئوا في الحكم على الله بما لم يحكم به على نفسه فهؤلاء ما عبدوا إلا الإله الذي ربطت عليه عقولهم وقيدته وحصرته وقسم آخر قال نؤمن بهذا اللفظ كما جاء من غير أن نعقل له معنى حتى نكون في هذا الايمان به في حكم من لم يسمع به ونبقى على ما أعطانا دليل العقل من إحالة مفهوم هذا الظاهر من هذا القول فهذا القسم متحكم أيضا بحسن عبارة وإنه رد على الله بحسن عبارة فإنهم جعلوا نفوسهم حكم نفوس لم تسمع ذلك الخطاب وقسم آخر قالوا نؤمن بهذا اللفظ على حد علم الله فيه وعلم رسوله ص فهؤلاء قد قالوا إن الله خاطبنا عبثا لأنه خاطبنا بما لا نفهم والله يقول وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم وقد جاء بهذا فقد أبان كما قال الله لكن أبي هؤلاء أن يكون ذلك بيانا وهؤلاء كلهم مسلمون وأما الأمر الثالث فهم الذين كشف الله عن أعين بصائرهم غطاء الجهل فأشهدهم آيات أنفسهم وآيات الآفاق فتبين لهم أنه الحق لا غيره فآمنوا به بل علموه بكل وجه وفي كل صورة وإنه بكل شئ محيط فلا يرى العارف شيئا إلا فيه فهو ظرف إحاطة لكل شئ وكيف لا يكون وقد نبه على ذلك باسمه الدهر فدخل فيه كل ما سوى الله فمن رأى شيئا فما رآه إلا فيه.....

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق