مواضيع المدونة

الجمعة، أبريل 13، 2012

اطلاع الأولياء على الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد

لقد أشكل الكثيرون على عامة الناس وعلى أهل التصوف بالخصوص قولهم أن الله يطلع أولياءه على بعض من الغيب...كرامة منه سبحانه لعباده الصالحين، فينفون امكانية حدوث ذلك بل يكفرون كل من يقولها ويبدعونه....جهلا وتعصبا...وها أنا ذا أورد نصوصا لعلماء أهل السنة في ذلك مركزا على أقوال أصحاب التفاسير رضوان الله عليهم في قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فأقول: ــ والسبب الرئيسي لكتابتي هذه المقالة أخي أحمد رمزي حيث طلب أن أكتب سطورا في هذا الموضوع ــ 




قال القرطبي:
الأولى : قوله تعالى : عالم الغيب ، عالم رفعا نعتا لقوله : ربي . وقيل : أي هو عالم الغيب والغيب ما غاب عن العباد . وقد تقدم بيانه في سورة ( البقرة ) فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه ; لأن الرسل مؤيدون بالمعجزات ، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات ; وفي التنزيل : وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم . 


وقال ابن جبير : ( إلا من ارتضى من رسول هو جبريل عليه السلام - وفيه بعد ، والأولى أن يكون المعنى : أي لا يظهر على غيبه إلا من ارتضى أي اصطفى للنبوة ، فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه : ليكون ذلك دالا على نبوته . 

ص: 27 ] قال العلماء - رحمة الله عليهم - : لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه ، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل ، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم ، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم . وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه ، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه . تفسير القرطبي الجزء 19 

وقال الطبري:
وقوله : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول يعني بعالم الغيب : عالم ما غاب عن أبصار خلقه ، فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدا ، فيعلمه أو يريه إياه إلا من ارتضى من رسول ، فإنه يظهره على ما شاء من ذلك .
 تفسير الطبري الجزء 23

وقال الشوكاني:
ثم استثنى فقال : إلا من ارتضى من رسول أي إلا من اصطفاه من الرسل أو من ارتضاه منهم لإظهاره على بعض غيبه ليكون ذلك دالا على نبوته . فتح القدير الجزء 1

جعلها الشوكاني اختصاصا للنبي موافقة للمعتزلة الذين ينفون وقوع الكرامة على الأولياء...على خلاف مذهب أهل السنة والشيعة...

وقال البغوي:
( عالم الغيب ) رفع على نعت قوله " ربي " وقيل : هو عالم الغيب ( فلا يظهر لا يطلع ( على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول إلا من يصطفيه لرسالته فيظهره على ما يشاء من الغيب لأنه يستدل على نبوته بالآية المعجزة بأن يخبر عن الغيب.

تفسير البغوي دار طيبة



وقال الرازي :
لفظة "من" في قوله : من رسول تبيين لمن ارتضى يعني أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي يكون رسولا ، قال صاحب "الكشاف" : وفي هذا إبطال الكرامات ؛ لأن الذين تضاف الكرامات إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل ، وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب ، وفيها أيضا إبطال الكهانة والسحر والتنجيم ؛ لأن أصحابها أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط ، قال الواحدي وفي هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون من حياة أو موت أو غير ذلك ، فقد كفر بما في القرآن

واعلم أن الواحدي يجوز الكرامات, وأن يلهم الله أولياءه وقوع بعض الوقائع في المستقبل ونسبة الآية إلى الصورتين واحدة فإن جعل الآية دالة على المنع من أحكام النجوم فينبغي أن يجعلها دالة على المنع من الكرامات على ما قاله صاحب "الكشاف" ، وإن زعم أنها لا تدل على المنع من الإلهامات الحاصلة للأولياء فينبغي أن لا يجعلها دالة على المنع من الدلائل النجومية ، فأما التحكم بدلالتها على المنع من الأحكام النجومية وعدم دلالتها على الإلهامات الحاصلة للأولياء فمجرد التشهي ، وعندي أن الآية لا دلالة فيها على شيء مما قالوه, والذي تدل عليه أن قوله : ( على غيبهليس فيه صيغة عموم فيكفي في العمل بمقتضاه أن لا يظهر تعالى خلقه على غيب واحد من غيوبه فنحمله على وقت وقوع القيامة, فيكون المراد من الآية أنه تعالى لا يظهر هذا الغيب لأحد, فلا يبقى في الآية دلالة على أنه لا يظهر شيئا من الغيوب لأحد ، والذي يؤكد هذا التأويل أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية عقيب قوله : ( إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا يعني لا أدري وقت وقوع القيامة ، ثم قال بعده : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا أي وقت وقوع القيامة من الغيب الذي لا يظهره الله لأحد ، وبالجملة فقوله : ( على غيبه لفظ مفرد مضاف ، فيكفي في العمل به حمله على غيب واحد ، فأما العموم فليس في اللفظ دلالة عليه ، فإن قيل : فإذا حملتم ذلك على القيامة ، فكيف قال : ( إلا من ارتضى من رسول )مع أنه لا يظهر هذا الغيب لأحد من رسله ؟ قلنا : بل يظهره عند القرب من إقامة القيامة ، وكيف لا وقد قال : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) [الفرقان : 25] ولا شك أن الملائكة ص: 149 ] يعلمون في ذلك الوقت قيام القيامة ، وأيضا يحتمل أن يكون هذا الاستثناء منقطعا ، كأنه قال : عالم الغيب فلا يظهر على غيبه المخصوص وهو قيام القيامة أحدا ، ثم قال بعده : لكن من ارتضى من رسول ( فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه حفظة يحفظونه من شر مردة الإنس والجن ؛ لأنه تعالى إنما ذكر هذا الكلام جوابا لسؤال من سأله عن وقت وقوع القيامة على سبيل الاستهزاء به ، والاستحقار لدينه ومقالته . 
واعلم أنه لا بد من القطع بأنه ليس مراد الله من هذه الآية أن لا يطلع أحدا على شيء من المغيبات إلا الرسل ، والذي يدل عليه وجوه : 
أحدها : أنه ثبت بالأخبار القريبة من التواتر أن شقا وسطيحا كانا كاهنين يخبران بظهور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل زمان ظهوره ، وكانا في العرب مشهورين بهذا النوع من العلم ، حتى رجع إليهما كسرى في تعرف أخبار رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فثبت أن الله تعالى قد يطلع غير الرسل على شيء من الغيب . 
وثانيها : أن جميع أرباب الملل والأديان مطبقون على صحة علم التعبير ، وأن المعبر قد يخبر عن وقوع الوقائع الآتية في المستقبل ، ويكون صادقا فيه . 
وثالثها : أن الكاهنة البغدادية التي نقلها السلطان سنجر بن ملك شاه من بغداد إلى خراسان ، وسألها عن الأحوال الآتية في المستقبل فذكرت أشياء ، ثم إنها وقعت على وفق كلامها . 
قال مصنف الكتاب ) ختم الله له بالحسنى : وأنا قد رأيت أناسا محققين في علوم الكلام والحكمة ، حكوا عنها أنها أخبرت عن الأشياء الغائبة إخبارا على سبيل التفصيل ، وجاءت تلك الوقائع على وفق خبرها ، وبالغ أبو البركات في كتاب المعتبر في شرح حالها ، وقال : لقد تفحصت عن حالها مدة ثلاثين سنة حتى تيقنت أنها كانت تخبر عن المغيبات إخبارا مطابقا . 
ورابعها : أنا نشاهد [ذلك] في أصحاب الإلهامات الصادقة ، وليس هذا مختصا بالأولياء بل قد يوجد في السحرة أيضا من يكون كذلك, نرى الإنسان الذي يكون سهم الغيب على درجة طالعه يكون كذلك في كثير من أخباره وإن كان قد يكذب أيضا في أكثر تلك الأخبار ، ونرى الأحكام النجومية قد تكون مطابقة وموافقة للأمور ، وإن كانوا قد يكذبون في كثير منها ، وإذا كان ذلك مشاهدا محسوسا ، فالقول بأن القرآن يدل على خلافه مما يجر الطعن إلى القرآن ، وذلك باطل فعلمنا أن التأويل الصحيح ما ذكرناه ، والله أعلم .  التفسير الكبير دار الكتب العلمية ببيروت سنة النشر: 2004م – 1425هـ 

وقد جاء الرازي بدليل الكاهنة البغدادية لأن المقرر عند الأصوليين وبالإجماع أن الوقوع أقوى أدلة الإمكان..

قال الحافظ ابن حجر:  
والمشهور عن أهل السنة إثبات الكرامات مطلقا , لكن استثنى بعض المحققين منهم كأبي القاسم القشيري ما وقع به التحدي لبعض الأنبياء فقال : ولا يصلون إلى مثل إيجاد ولد من غير أب ونحو ذلك , وهذا أعدل المذاهب في ذلك , فإن إجابة الدعوة في الحال وتكثير الطعام والماء والمكاشفة بما يغيب عن العين والإخبار بما سيأتي ونحو ذلك قد كثر جدا حتى صار وقوع ذلك ممن ينسب إلى الصلاح كالعادة , فانحصر الخارق الآن فيما قاله القشيري... 
فتح الباري 7/479 طبعة السلام  انظر إلى قوله رحمه الله: والمكاشفة بما يغيب .....

ومن المقرر عند السادة الأعلام أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي وهو ادعاء النبوة
(رسالة إثبات كرامات الأولياء ص 5)  وهذه القاعدة الأصولية مما أجمع عليها، وقد أراد كثير من الوهابية إضعاف حجيتها فلم يقدروا على ذلك......انظر العيني في عمدة القاري :7/283 والتفتازاني في شرح المقاصد في علم الكلام :2/203-206 و النيسابوري في الغنية في أصول الدين: 152-154....وغيرهم الكثير....


في هذه النصوص كفاية للمنصف اللبيب... وقد تعمدت عدم الإطالة أختاصارا والسلام



ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق