مواضيع المدونة

الأحد، أبريل 15، 2012

ضابط شريف يحوى على عدة اسرار وفوائد


 بسم الله الرحمن الرحيم 
اللهم صل على سيدنا محمد و آل سيدنا محمد

قال مولانا أبي المعالي القونوي قدس سره في كتابه مفاتيح الغيب:



كل ما أدركته بعلمك ولم ينته نظرك فيه إلى ادراك ما ورائه - سواء غايره مغايرة الصورة لمعناها أو روحها - أو مغايرة الوجود للحقيقة المتصفة به أو لم يغايره، فإنك ما أدركته حق الادراك التام، ومتى أوجب لك إدراكك له أو رؤيتك إياه التعدي إلى ما ورائه، فحينئذ يصح ان يقال انك أدركته أو رأيته رؤية تامة حقيقية أحاطية، لأنه ما من شئ من المدركات الظاهرة والباطنة الا ويوجب النظر فيه - مشاهدة وعلما - الانتهاء إلى ما ورائه، حتى النظر في الحق تعالى - إذا كان الناظر تام النظر أو تام الكشف - هو بهذه المثابة، فإنه ما لم يتعد نظرك ما علمت، وأدركت من الحق إلى ما ورائه، لم يتحقق سر ليس وراء الله مرمى لرام، وان ليس بعد الوجود المحض الذي هو الخير الا عدم متوهم في المقابلة يحكم عليه بأنه الشر والضد للوجود، ولم تعلم أيضا ان الحق لا يحاط به علما وان نسبة ما تعين لك أو لغيرك نسبة المتناهى إلى غير المتناهى، ونسبة المقيد المنضبط إلى الامر المطلق الذي لا ينضبط. وهذا أصل كبير يعسر فهمه ابتداء، الا لمن كحل الله بصيرته بنور تجليه، فإنه من سر المطلع الذي لا يخلو شئ عن حكمه.



وتعلم من هذا الذوق ان الشخص متى حقق النظر كشفا أو عقلا في كل موجود مقيد، انتهى به الامر - إذا كان تام الادراك - ان يعلم من قيده اطلاق الحق سبحانه وتعالى مع كشفه انه مجلي من مجاليه ومظهر له وظاهر به أيضا، وكذلك يعرف من كل ما ينطبق عليه انه حجاب على الحق سبحانه وعنه، انه كاشف ومظهر، والحجاب إذا لم يكن عين المحجوب لا واسطة بينه وبين المحجوب، ونقدر الامر في الحجاب الأقرب إذا قيل بكثرة الحجب، أو فيما لا حجاب عليه غير واحد، فإنه متى عرف الحجاب نفسه، علم أن لا واسطة بينه وبين المحجوب، بل أبين لك الامر الحجاب وارفع حكمه بكشف سره.



فأقول: كلما يقال عنه انه حجاب على الحق لا يخلو اما ان يكون الحق سبحانه عينه، بمعنى انه تعالى حجاب على نفسه أو غيره، وليس الا الممكنات، فالمسمى حجابا - اما بعض الممكنات أو كلها - لا جائز ان يكون بأسرها حجابا، فإنه ما ثمة أمر، إذ ليس الا الله سبحانه والممكنات، ولا جائز ان يكون بعضها حجابا دون الباقي، لان هذا الحكم للبعض، اما ان يصح ويثبت لكونه ممكنا، فيلزم اذن اشتراك جميع الممكنات في ذلك، لاشتراكها كلها في حقيقة الامكان، فما اقتضاه شئ منها لامكانه ثبت للجميع، وإن كان انما يصح ذلك لبعض الممكنات لا لكونه ممكنا فحسب، بل مع انضمام قيد اخر خارج.



فنقول حينئذ: فذلك القيد الخارجي اما ان يكون نسبة سلبية أو أمرا ثبوتيا، لا جائز ان يكون نسبة سلبية، والا لكان ما لا وجود له يوجب اثرا وحكما فيما له وجود، بل وفي واجب الوجود، وذلك غير جائز، وإن كان أمرا ثبوتيا، فاما ان يكون الحق أو الممكنات - كما مر - لا جائز ان يكون الممكنات - لما قلنا - فلم يبق الا ان يكون الحق.



ثم نقول: ولا جائز أيضا ان يكون الحق تعالى حجابا على نفسه، فان كونه حجابا على نفسه اما ان يكون أمرا اقتضاه لذاته من حيث هو معرى عن النظر إلى الممكن، أو يكون ذلك حكما ظهر بالممكن، لا جائز ان يكون ذات الحق من حيث هي هي مقتضيه لذلك، والا لكان محجوبا عن نفسه، فكان مركبا من أمرين: أحدهما كونه حجابا والاخر كونه محجوبا، لان اعتبار كون الشئ حجابا مغاير لاعتبار كونه محجوبا، فلم يكن الحق إذا واحدا من كل وجه، وهو واحد من جميع الوجوه بلا شك، هذا خلف، ولأنه لو صح ذلك لم يكن عالما بنفسه ومدركا لها من كل وجه، لان التقدير: ان هذا أمر يقتضيه سبحانه لذاته أزلا، مع قطع النظر عن كل ممكن، فلم يبق الا ان يقال: إنه حكم الهى، ظهوره متوقف على الممكنات.




فنقول: فهذا الحكم الذي ظهر بالممكن اما ان يرجع إلى الحق أو إلى الممكن، لا جائز ان يرجع إلى الحق سبحانه، والا لعاد إليه تعالى من الممكن به سبحانه، أو بالممكن حكم  لم يقتضه لذاته أزلا من حيث هو، فيكون هذا اثرا من الممكن في الحق تعالى أو متوقفا عليه، ويلزم منه أيضا ان يكون سبحانه محلا للحوادث، وكل ذلك محال، ومعلوم انه ما ثم أمر ثالث غير الحق سبحانه تعالى، والممكنات ينسب إليه هذا الحكم، ولا يمكن انكاره لشهود اثره، فهو اذن حكم من بعض الممكنات اقتضته خصوصية ظهر في البعض بالحق سبحانه لا فيه، وهكذا الامر في كل ما ينسب إلى الحق تعالى من اسم وصفة ينظر فيه، فان جازت اضافته إليه فهو أمر اقتضاه لذاته أزلا، لكنه ما ظهر حكمه للممكن الا فيما بعد، وإن كان مما لا يجوز ان يكون سبحانه من حيث ذاته يقتضيه، فهو أمر اقتضاه بعض الممكنات في بعضها، لكن ظهر بالحق سبحانه، فحدث العلم للممكن وحدث ظهوره وتحققه لنفسه، ولمثله لم يحدث ثبوت الحكم للحق أو للممكن، بل ما هو للحق هو له أزلا، و كذلك ما للممكن، فالمعرفة بالأحكام والصفات والنسب والمراتب وظهورها للممكنات هي الحادثة بحدوث الممكنات، لا لثبوتها أو انتفائها لمن هي ثابتة له أو منتفية عنه، فاعلم ذلك وتدبر ما ذكر لك، تحظ بعلم عزيز جدا. والله الهادي.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق