مواضيع المدونة

الجمعة، أبريل 20، 2012

أسئلة الترمذي قدس سره الثلاثة وجواب ابن عربي قدس سره عليها

 بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد


قال الكبريت الأحمر والوارث المحمدي سيدي ابن عربي قدس سره في كتابه الفتوحات المكية:



 اعلم أن الدعاوي لما استطال لسانها في هذا الطريق من غير المحققين قديما وحديثا جرد الإمام صاحب الذوق التام محمد ابن علي الترمذي الحكيم مسائل تمحيص واختبار وعددها مائة وخمسة وخمسون سؤالا لا يعرف الجواب عنها إلا من علمها ذوقا وشربا فإنها لا تنال بالنظر الفكري ولا بضرورات العقول فلم يبق إلا أن يكون حصولها عن تجل إلهي في حضرة غيبة بمظهر من المظاهر فوقتا يكون المظهر جسميا ووقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانيا وهذا الباب من هذا الكتاب مما يطلب إيضاح تلك المسائل وشرحها فجعلت هذا الباب مجلاها إن شاء الله تعالى فمن ذلك (السؤال الأول) كم عدد منازل الأولياء الجواب:
اعلم أن منازل الأولياء على نوعين حسية ومعنوية فمنازلهم الحسية في الجنان وإن كانت الجنة مائة درجة ومنازلهم الحسية في الدنيا أحوالهم التي تنتج لهم خرق العوائد فمنهم من يتبرز فيها كالإبدال وأشباههم ومنهم من تحصل له ولا يظهر عليه شئ منها وهم الملامتية وأكابر العارفين وهي تزيد على مائة منزل وبضعة عشر منزلا وكل منزل يتضمن منازل كثيرة فهذه منازلهم الحسية في الدارين وأما منازلهم المعنوية في المعارف فهي مائتا ألف منزل وثمانية وأربعون ألف منزل محققة لم ينلها أحد من الأمم قبل هذه الأمة وهي من خصائص هذه الأمة ولها أذواق مختلفة لكل ذوق وصف خاص يعرفه من ذاقه وهذا العدد منحصر في أربعة مقامات مقام العلم اللدني وعلم النور وعلم الجمع والتفرقة وعلم الكتابة الإلهية ثم بين هذه المقامات مقامات من جنسها تنتهي إلى بضع ومائة مقام كلها منازل للأولياء ويتفرع من كل مقام منازل كثيرة معلومة العدد يطول الكتاب بإيرادها وإذا ذكرت الأمهات عرف ذوق صاحبها فأما العلم اللدني فمتعلقه الإلهيات وما يؤدي إلى تحصيلها من الرحمة الخاصة وأما علم النور فظهر سلطانه في الملأ الأعلى قبل وجود آدم بآلاف من السنين من أيام الرب وأما علم الجمع والتفرقة فهو البحر المحيط الذي اللوح المحفوظ جزء منه ومنه يستفيد العقل الأول وجميع الملأ الأعلى منه يستمدون وما ناله أحد من الأمم سوى أولياء هذه الأمة وتتنوع تجلياته في صدورهم على ستة آلاف نوع ومئين فمن الأولياء من حصل جميع هذه الأنواع كأبي يزيد البسطامي وسهل بن عبد الله ومنهم من حصل بعضها وقد كان للأولياء في سائر الأمم من هذه العلوم نفثات روح في روع وما كمل إلا لهذه الأمة تشريفا لهم وعناية بهم لمكانة نبيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وفيه من خفايا العلوم التي هي بمنزلة الأصول ثلاثة علوم علم يتعلق بالإلهيات وعلم يتعلق بالأرواح العلوية وعلم يتعلق بالمولدات الطبيعية فما يتعلق منه بالإلهيات على قدم واحدة لا يتغير وإن تغيرت تعلقاته والذي يتعلق منه بالأرواح العلوية فيتنوع من غير استحالة والذي يتعلق بالمولدات الطبيعية يتنوع ويستحيل باستحالاتها وهو المعبر عنه بأرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا فإن المواد التي حصل له منها هذا العلم استحالت فالتحق العلم بها بحكم التبعية وكما هي أصولها ثلاث علوم فالأولياء فيها على ثلاث طبقات الطبقة الوسطى منهم لهم مائة ألف منزل وثلاثة وعشرون ألف منزل وستمائة منزل وسبعة وثمانون منزلا أمهات يحتوي كل منزل منها على منازل لا يتسع الوقت لحصرها لتداخل بعضها في بعضها ولا ينفع فيها إلا الذوق خاصة وما بقي من الأعداد فمقسم بين الطبقتين وهما اللذان ظهرا برداء الكبرياء وإزار العظمة غير أن لهما من إزار العظمة مما يزيد على هذا الذي ذكرناه ألف منزل وبضعة وعشرون منزلا لهذه المنازل خصوص وصف لا يوجد في منازل رداء الكبرياء وذلك أن رداء الكبرياء مظهره من الاسم الظاهر والإزار مظهره من الاسم الباطن والظاهر هو الأصل والباطن نسبة حادثة ولحدوثها كانت لها هذه المنازل فإن الفروع محل الثمر فيوجد في الفرع ما لا يظهر في الأصل وهو الثمرة وإن كان مددهما من الأصل وهو الاسم الظاهر لكن الحكم يختلف فمعرفتنا بالرب تحدث عن معرفة بالنفس لأنها الدليل من عرف نفسه عرف ربه وإن كان وجود النفس فرعا عن وجود الرب فوجود الرب هو الأصل ووجود العبد فرع ففي مرتبة يتقدم فيكون له الاسم الأول وفي مرتبة يتأخر فيكون له الاسم الآخر فيحكم له بالأصل من نسبة خاصة ويحكم له بالفرع من نسبة أخرى هذا يعطيه النظر العقلي وأما ما تعطيه المعرفة الذوقية فهو أنه ظاهر من حيث ما هو باطن وباطن من عين ما هو ظاهر وأول من عين ما هو آخر وكذلك القول في الآخر وإزار من نفس ما هو رداء ورداء من نفس ما هو إزار لا يتصف أبدا بنسبتين مختلفتين كما يقرره ويعقله العقل من حيث ما هو ذو فكر ولهذا قال أبو سعيد الخراز وقد قيل له بم عرفت الله فقال بجمعه بين الضدين ثم تلا هو الأول والآخر والظاهر والباطن فلو كان عنده هذا العلم من نسبتين مختلفتين ما صدق قوله بجمعه بين الضدين ولو كانت معقولية الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية في نسبتها إلى الحق معقولية نسبتها إلى الخلق لما كان ذلك مدحا في الجناب الإلهي ولا استعظم العارفون بحقائق الأسماء ورود هذه النسب بل يصل العبد إذا تحقق بالحق أن تنسب إليه الأضداد وغيرها من عين واحدة لا تختلف وإذا كان العبد يتصور في حقه وقوع هذا فالحق أجدر وأولى إذ هو المجهول الذات فمثل هذه المعرفة الإلهية لا تنال إلا من هذه المنازل التي وقع السؤال عنها وأما عدد الأولياء الذين لهم عدد المنازل فهم ثلاثمائة وستة وخمسون نفسا وهم الذين على قلب آدم ونوح وإبراهيم وجبريل وميكائيل وإسرافيل وهم ثلاثمائة وأربعون وسبعة وخمسة وثلاثة وواحد فيكون المجموع ستة وخمسين وثلاثمائة هذا هو عند أكثر الناس من أصحابنا وذلك للحديث الوارد في ذلك وأما طريقتنا وما يعطيه الكشف الذي لا مرية فيه فهو المجموع من الأولياء الذين ذكرنا أعدادهم في أول هذا الباب ومبلغ ذلك خمسمائة نفس وتسعة وثمانون نفسا منهم واحد لا يكون في كل زمان وهو الختم المحمدي وما بقي فهم في كل زمان لا ينقصون ولا يزيدون وأما الختم فهذا زمانه وقد رأيناه وعرفناه تمم الله سعادته علمته بفاس سنة خمس وتسعين وخمسمائة والمجمع عليه من أهل الطريق أنهم على ست طبقات أمهات أقطاب وأئمة وأوتاد وأبدال ونقباء ونجباء وأما الذين زادوا على هؤلاء في الكشف فطبقات الرجال عندهم الذي يحصرهم العدد ولا يخلو عنهم زمان خمس وثلاثون طبقة لا غير ومرتبة الختمين ولكن لا يكونان في كل زمان فلهذا لم نلحقهما بالطبقات الثابتة في كل زمان (السؤال الثاني) أين منازل أهل القرية الجواب بين الصديقية ونبوة الشرائع فلم تبلغ منزلة بنى التشريع من النبوة العامة ولا هو من الصديقين الذين هم أتباع الرسل لقول الرسل وهو مقام المقربين وتقريب الحق لهم على وجهين وجه اختصاص من غير تعمل كالقائم في آخر الزمان وأمثاله ووجه آخر من طريق التعمل كالخضر وأمثاله والمقام واحد ولكن الحصول فيه على ما ذكرناه ومن ثم يتبين الرسول من النبي ويعم الجميع هذا المقام وهو مقام المقربين والأفراد وفي هذا المقام يلتحق البشر بالملأ الأعلى ويقع الاختصاص الإلهي فيما يكون من الحق لهؤلاء وأما المقام فداخل تحت الكسب وقد يحصل اختصاصا ولهذا يقال في الرسالة إنها اختصاص وهو الصحيح فإن العبد لا يكتسب ما يكون من الحق سبحانه فله التعمل في الوصول وما له تعمل فيما يكون من الحق له عند الوصول ومن هناك منبع العلم اللدني الذي قال الله فيه في حق عبده خضر آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما المعنى آتيناه رحمة علما من عندنا وعلمناه من لدنا وهو من الأربعة المقامات الذي هو علم الكتابة الإلهية وعلم الجمع والتفرقة وعلم النور والعلم اللدني واعلم أن منزل أهل القربة يعطيهم اتصال حياتهم بالآخرة فلا يدركهم الصعق الذي يدرك الأرواح بل هم ممن استثنى الله تعالى في قوله ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وهذا المنزل هو أخص المنازل عند الله وأعلاها والناس فيه على طبقات ثلاث فمنهم من يحصله برمته وهم الرسل صلوات الله عليهم وهم فيه على درجات يفضل بعضهم بعضا ومنهم من يحصل منه الدرجة الثانية وهم الأنبياء صلوات الله عليهم الذين لم يبعثوا بل تعبدوا بشريعة موقوفة عليهم فمن اتبعهم كان ومن لم يتبعهم لم يوجب الله على أحد أتباعهم وهم فيها على درجات يفضل بعضهم بعضا والطبقة الثالثة هي دونهما درج النبوة المطلقة التي لا يتخلل وحيها ملك ودون هؤلاء الطبقات هم الصديقون الذين يتبعون المرسلين ودون هؤلاء الصديقين الصديقون الذين يتبعون الأنبياء من غير أن يجب ذلك عليهم ودون هؤلاء الصديقين الذين يتبعون أهل الطبقة الثالثة وهم الذين انطلق عليهم اسم المقربين أعني أهل الطبقة الثالثة ولكل طبقة ذوق لا تعلمه الطبقة الأخرى ولهذا قال الخضر لموسى عليه السلام وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا والخبر الذوق وهو علم حال وقال الخضر لموسى أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا (السؤال الثالث) فإن قيل إن الذين حازوا العساكر بأي شئ حازوا فلنقل في الجواب نذكر أو لا ما معنى العساكر وما معنى حيازتهم لهم ثم نبين بأي شئ حازوا فإن هذا السائل إذا أرسل سؤاله من غير تقييد لفظي أو قرينة حال ينبغي للمجيب أن يجيب بالمعاني التي تدل عليها تلك الكلمة في اصطلاحهم فمهما أخل بشئ منها فما وفي الكلمة حقها فاعلم إن العساكر قد يطلقونها ويريدون بها شدائد الأعمال والعزائم والمجاهدات كما قال القائل ظل في عسكرة من حبها أي في شدة واعلم أن مبني هذا الطريق على التخلق بأسماء الله فحاز هؤلاء العساكر بالتخلق باسمه الملك فإن الملك هو الذي يوصف بأنه يجوز العساكر والملك معناه أيضا الشديد فلا تحاز الشدائد والعزائم إلا بما هو أشد منها يقال ملكت العجين إذا شددت عجنه قال قيس بن الحطيم يصف طعنة ملكت بها كفي فانهزت فتقها أي شددت بها كفي حين طعنته فحازوا العساكر بالطريقين باسمه الملك فأما الشدائد التي حازوها في هذا الباب فهي البرازخ التي أوقفهم الحق في حضرة الأفعال من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم فيلوح لهم ما لا يتمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ويلوح لهم ما لا يتمكن لهم معه أن ينسبوها إلى الله فهم هالكون بين حقيقة وأدب والتخليص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض واعلم أن صاحب هذا المقام هو الذي أعلمه الله بجنوده الذي لا يعلمها إلا هو قال تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو وقال وإن جندنا لهم الغالبون فصاحب هذا المقام يعرفه جنود الله الذين لا حاكم عليهم في شغلهم إلا الله ولهذا نسبهم إليه فهم الغالبون الذين لا يغلبون فمنهم الريح العقيم ومنهم الطير التي أرسلت على أصحاب الفيل وكل جند ليس لمخلوق فيه تصريف هم العساكر التي حازها صاحب هذا المقام علما وقال صلى الله عليه وسلم فيهم نصرت بالصبا وقال نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر فإذا منح الله صاحب هذا المقام علم هؤلاء العساكر رمى بالحصى في وجوه الأعداء فانهزموا كما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين فله الرمي وهم لا يكون منهم غلبة إلا بأمر الله ولهذا قال وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فكل منصور بجند الله فهو دليل على عناية الله به ولا يكون منصورا بهم على الاختصاص إلا بتعريف إلهي فإن نصره الله من غير تعريف إلهي فليس هو من هذه الطبقة التي حازت العساكر فلا بد من اشتراط النصر حقا في ذلك القصد وصاحب هذا المقام يعين لأصحابه مصارع القوم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر فإنه ما من شخص من أجناد الله إلا وهو يعرف عين من سلط عليه ومتى يسلط عليه وأين يسلط عليه فتتشخص الأجناد لصاحب هذا المقام في الأماكن التي هي مصارع القوم كل شخص على صورة المقتول وباسمه فيراه صاحب هذا المقام فيقول هذا هو مصرع فلان وهذا هو مقام الإمام الواحد من الإمامين وأقرب شئ ينال به هذا المقام البغض في الله والحب في الله فتكون همم هذه الطبقة وأنفاسهم من جملة العساكر التي حازوها بما ذكرناه وهو الموالاة في الله والعداوة في الله عن عزم وصدق مع كونهم لا يرون إلا الله فيجدون من الانضغاط وكظم الغيظ ما لا يعلمه إلا الله والعين تحرسهم في باطنهم هل ينظرون في ذلك أنه غير الله فإذا تحققوا ذلك حازوا عساكر الحق التي هي أسماؤه سبحانه إذ أسماؤه تعالى عساكره وهي التي يسلطها على من يشاء ويرحم بها من يشاء فمن حاز أسماء الله فقد حاز العساكر الإلهية ورئيس هؤلاء الأجناد الأسمائية كما قلنا الاسم الملك هو المهيمن عليها ومن عداه فأمثال السدنة له ويكفي هذا القدر في الجواب عن هذا السؤال (السؤال الرابع) فإن قال إلى أين منتهاهم قلنا في الجواب لا شك ولا خفاء أن هذه الطبقة هم أصحاب عقد وعهد وهو قوله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا فإذا حصلت هذه الطبقة فيما قلنا في غزوهم وسلكوا سبيل جهادهم كان منتهاهم إلى حل ما عقدوا عليه ونقض ما عسكروا إليه وذلك أن الأعيان التي عسكروا لها وعقدوا مع الله أن يبيدوها فلما توجهوا بعساكرهم التي أوردناها إليها كانت آثار تلك العساكر فيها إيجاد أعيانها وهو خلاف مقصود العارف بهذه العساكر إذ كان المقصود إذهاب أعيانها وإلحاقها بمن لا عين له وما علم أن الحقائق لا تتبدل وأن آثار العساكر فيها الوجود إذ كان سبق العدم لها لعينها فلا تؤثر فيها هذه العساكر العدم لأن العدم لها من نفسها فلم يبق إلا الوجود فوقع غير مقصود العارف وعلم عند ذلك العارف أن تلك الأعيان مظاهر الحق فكان منتهاهم إليه وبدأهم منه وليس وراء الله مرمى فإن قلت فالذات الغنية عن العالمين وراء الله قلنا ليس الأمر كما زعمت بل الله وراء الذات وليس وراء الله مرمى فإن الذات متقدمة على المرتبة في كل شئ بما هي مرتبة لها فليس وراء الله مرمى فحصلوا من العلم بالله ما لم يكن عندهم بالقصد الأول حين حازوا العساكر وكان الذي حجبهم ابتداء عن هذه المعرفة غيرتهم أن يشترك الحق مع كون من الأكوان في حال أو عين أو نسبة فلهذا كان مقصودهم أن يلحقوا الأعيان بمطلق العدم وهو المقام الذي تشير إليه الباطنية بقولها في جواب من يقول لها الله موجود فنقول ليس بمعدوم فإذا قلت لهم الله حي تقول ليس بميت فإن قيل لهم فالله قادر قالت ليس بعاجز فلا تجيب قط بلفظة تعطي الاشتراك في الثبوت فتجيب بالسلب وهذا كله من باب الغيرة ولا تقدر تنفي الأعيان فتستعين بهؤلاء العساكر على إعدام هذه الأعيان وزوال حكم الثبوت منها فتجد العساكر توجدها وتكسوها حلة الوجود فإذا رأت أنها مظاهر الحق رضيت بأن تبقيها أعيانا ثابتة ولا تراها موجودة ويكون عين شهودها ناظرة فيها إلى وجود الحق وأنه لا وجود اكتسبته من الحق بل حكمها مع الوجود حكمها ولا وجود وإن الذي ظهر ما هو غير هذا غايتها وهو قوله إلى ربك منتهاها فكان منتهاها ربها فأما من كانت عساكره العزائم فمنتهاه إلى الرخص من طريقين الطريق الواحدة أحدية المحبة فيهما فيكون منتهاهم إلى شهودها وهو الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه فينحل عقد الأخذ بالعزائم بهذه المشاهدة لكونه يفوته من العلم بالله على قدر ما فاته من الأخذ بالرخصة والطريقة الأخرى تنتهي بهم إلى شهود كونه في العزائم هو عين كونه في الرخص وهم لا نسبة لهم في واحدة منهما فينحل ما عقدوا عليه انحلالا ذاتيا لا تعمل لهم فيه ومن هذا المقام يقول بعضهم بتفضيل الرسل بعضهم على بعض على أنه في نفس الأمر كما ورد في الخطاب من قوله تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض فينتهي بهم هذا الأمر إلى حل عقد التفضيل بقوله لا نفرق بين أحد من رسله ومن فضل فقد فرق فلو لا وحدانية الأمر ما كان عين الجمع عين الفرق كما أن السالك يمشي حنبليا أو حنفيا مقتصرا على مذهب بعينه يدين الله به لا يرى مخالفته فينتهي به هذا المشهد إلى أن يصبح يتعبد نفسه بجميع المذاهب من غير فرقان ومن هنا يبطل النسخ عنده الذي هو رفع الحكم بعد ثبوته لا انقضاء مدته فإلى ما ذكرناه منتهاهم على حسب ما أعطته عساكرهم فإن العساكر تختلف فإن جند الرياح ما هي جند الطير وجند الطير ما هو جند المعاني الحاصلة في نفوس الأعداء كالروع والجبن فمنتهى كل عسكر إلى فعله الذي وجه إليه من حصار قلعة وضرب مصاف أو غارة أو كبسة كل عسكر له خاصية في نفس الأمر لا يتعداه قال تعالى في الطير ترميهم بحجارة وقال في الريح ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم وقال في الرعب وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم فانظر منتهى كل عسكر إلى ما أثر في نفس من عسكر إليه فالحق لا يتقيد إذ كان هو عين كل قيد فالناس بين محجوب وغير محجوب جعلنا الله ممن أشهد الحق في عين حجابه وفي رفع حجابه وفيما كان له من راء حجابه...

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق