مواضيع المدونة

الأربعاء، أبريل 25، 2012

سيدي ابن عطاء الله السكندري قدس سره يناظر ابن تيمية

 بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد


نقلت من كتاب السلفية بين أهل السنة والإمامية لمحمد الكثيري نص المناظرة التي صارت مع شيخ طريقتنا الشاذلية العلية ابن عطاء الله السكندري قدس سره وابن تيمية وها هي نص المناظرة:


صلى ابن تيمية المغرب في الأزهر وراء ابن عطاء الله الإسكندري ولما انقضت الصلاة دار بينهما هذا الحوار: وهذا نصه ملخصا:
ابن عطاء الله: ما ذا تعرف عني يا شيخ ابن تيمية؟.
قال: أعرف عنك الورع، وغزارة العلم، وحدة الذهن، وصدق القول، وأشهد أني ما رأيت مثلك في مصر ولا في الشام حبا لله أو فناء فيه أو انصياعا لأوامره ونواهيه، ولكنه الخلاف في الرأي، فماذا تعرف عني أنت؟
هل تدعي علي الضلال إذ أنكر استغاثة غير الله؟.
قال ابن عطاء الله الإسكندري: أما آن لك يا فقيه أن تعرف إن الاستغاثة هي الوسيلة والشفاعة، وأن الرسول (ص) يستغاث ويتوسل به ويستشفع؟ قال ابن تيمية أنا في هذه أتبع السنة الشريفة، فقد جاء في الحديث الصحيح (أعطيت الشفاعة) وقد أجمعت الآثار (74) في تفسير الآية الشريفة * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) *. على أن المقام المحمود هو الشفاعة.

والرسول (ص) لما ماتت أم أمير المؤمنين علي رضي الله عنهما، دعا لها الله على قبرها: " الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين " (75). فهذه هي الشفاعة، أما الاستغاثة ففيها شبهة الشرك بالله تعالى.
وقد أمر الرسول ابن عمه عبد الله بن عباس ألا يستعين بغير الله.
قال ابن عطاء الله: أصلحك الله يا فقيه، أما نصيحة الرسول (ص) لابن عباس فقد أراد منه أن يتقرب إلى الله بعلمه لا بقرابته من الرسول، وأما فهمك أن الاستغاثة استعانة بغير الله فهي شرك، فمن من المسلمين الذين

(74) هذا الإجماع غير متحقق لأن أصحابه من حشوية الحنابلة يفسرون المقام المحمود بأن الله جل شأنه سيقعد نبيه يوم القيامة معه على العرش، وقد خالفهم في ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره فهجموا على منزله وحدثت فتنة. كما أن تفسير الآية من القضايا المختلف فيها بين أهل السنة (الأشاعرة) والحنابلة لأنهم يرون أن المقام المحمود هو الشفاعة.
وبذلك يعرف حقيقة قول ابن تيمية (أجمعت الآثار). أنظر " الكامل " لابن الأثير، حوادث سنة 317 ه‍ وما وقع بين أصحاب المروذي الحنابلة وغيرهم حول تفسير الآية.
(75) وهذا الحديث رواه الطبراني بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه في كلام طويل إلى أن قال عليه السلام: " الله الذي يحيي وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين ". وكبر عليها أربعا وأدخلها اللحد هو والعباس وأبو بكر. كما رواه غيره كالحاكم في مستدركه والذهبي في سيرة أعلام النبلاء والمتقي الهندي في كنز العمال.
والغريب في الأمر أنه معتمد من يجيز التوسل بالنبي وغيره من الأنبياء لأن عبارة الحديث صريحة في ذلك وقد انتبه أتباع ابن تيمية لذلك فلم يجدوا طريقا للتنصل من إفادة الحديث فراموا تضعيف سنده والطعن في رواته. لكن هيهات من أن تحجب الخفافيش ضوء الشمس الساطع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يؤمنون بالله واليوم الآخر ورسوله يحسب أن غيره تعالى يقضي، ويقدر، ويثيب ويعاقب؟! فإنما هي ألفاظ لا تأخذ على ظاهرها ولا خوف من الشرك لنسد إليه الذريعة، فكل من استغاث الرسول (ص)، فهو إنما يستشفع به عند الله مثلما تقول أنت أشبعني هذا الطعام، فهل الطعام هو الذي أشبعك أم أن الله تعالى هو الذي أشبعك بالطعام؟ وأما قولك إن الله نهانا أن ندعو غيره، فهل رأيت من المسلمين أحدا يدعو غير الله؟.
إنما نزلت هذه الآية في المشركين الذين كانوا يدعون آلهتهم من دون، إنما يستغيث المسلمون محمدا (ص) بمعنى التوسل بحقه عند الله، والتشفع بما رزقه الله من شفاعة، أما تحريمك الاستغاثة لأنها ذريعة إلى الشرك، فإنك كمن أفتى بتحريم العنب لأنه ذريعة إلى الخمر، ونخصي الذكور غير المتزوجين سدا للذريعة إلى الزنا. وضحك الشيخان!! واستطرد ابن عطاء الله، وأنا أعلم ما في مذهب شيخكم الإمام أحمد من سعة، وما لنظرك الفقهي من إحاطة، وسد الذرائع يتعين على من هو في مثل حدقك، وحدة ذهنك، وعلمك باللغة أن تبحث عن المعاني المكنونة الخفية وراء ظاهر الكلمات، فالمعنى الصوفي روح، والكلمة جسد، فاستقصي ما وراء الجسد لتدرك حقيقة الروح.
ثم استطرد ابن عطاء الله يقول: ثم إنك اعتمدت في حكمك على ابن عربي، على نصوص قد دسها عليه خصومه، وأما شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام فإنه لما فهم كتابات الشيخ، وحل رموزها وأسرارها، وأدرك إيحاءاتها استغفر الله عما سلف منه، وأقر بأن محيي الدين بن عربي إمام من أئمة الإسلام. وأما كلام الشاذلي ضد ابن عربي فليس أبو الحسن الشاذلي هو الذي قاله، بل أحد تلاميذه من الشاذلية، وهو ما قاله في الشيخ ابن عربي، بل قاله في بعض المريدين الذين فهموا كلامه على غير وجهه...
قال ابن تيمية: ولكن أين تذهبون من الله وفيكم من يزعم أنه (ص) بشر الفقراء بأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء، فسقط الفقراء منجذبين ومزقوا وملابسهم، وعندئذ نزل جبرئيل وقال للنبي (ص) إن الله تعالى يطلب حظه من هذه المزق فحمل جبريل واحدة منها، وعلقها على عرشه تعالى، ولهذا يلبس الصوفية المرقعات ويسمون أنفسهم الفقراء.
قال ابن عطاء الله: ما كان الصوفية يلبسون الخرق، وهأنذا أمامك فما تنكر من هيئتي؟!.
قال ابن تيمية: أنت من رجال الشريعة، وصاحب حلقة في الأزهر.
قال ابن عطاء الله: والغزالي كان إماما في الشريعة والتصوف على السواء وقد عالج الأحكام والسنن والشريعة بروح المتصوف وبهذا المنهاج استطاع إحياء علوم الدين.
نحن نعلم الصوفية أن القذارة ليست من الدين، وإن النظافة من الإيمان، وأن الصوفي الصادق يجب أن يعمر قلبه بالإيمان الذي يعرفه أهل السنة.
لقد ظهر بين الصوفية منذ قرنين من الزمان، أشياء كالتي تنكرها الآن واستخفوا بأداء العبادات، واستهانوا بالصوم والصلاة وركضوا في ميدان الغفلات... وادعوا أنهم تحرروا من رق الغفلات والأغلال، ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الأفعال، حتى أشاروا إلى أغلى الحقائق والأحوال كما وصفهم القشيري الإمام الصوفي العظيم فوجه إليهم الرسالة القشيرية، ترسم طريق الصوفي إلى الله، وهي تمسكه بالكتاب والسنة.
إن أئمة الصوفية يريدون الوصول إلى الحقيقة، ليس فقط بالأدلة العقلية التي تقبل العكس، بل بصفاء القلب ورياضة النفس، وطرح الهموم الدنيوية، فلا ينشغل العبد بحب غير الله ورسوله. وهذا الانشغال السامي، يجعله عبدا صالحا، جديرا بعمارة الأرض وإصلاح ما أفسده حب المال والحرص على الجاه والجهاد في سبيل الله.
وقال ابن عطاء الله: إن الأخذ بظاهر المعنى يوقع في الغلط أحيانا يا فقيه، ومن هذا رأيك في ابن عربي، وهو إمام ورع من أئمة الدين، فقد فهمت ما  كتبه على ظاهره، والصوفية أصحاب إشارات وشطحات روحية ولكلماتهم أسرار.
قال ابن تيمية: هذا الكلام عليك لا لك. فالقشيري لما رأى أتباعه يضلون الطريق قام عليهم ليصلحهم، فماذا فعل شيوخ الصوفية في زماننا؟! إنما أريد من الصوفية أن يسيروا على سنة هذا السلف العظيم من زهاد الصحابة، والتابعين وتابعيهم بإحسان، إني أقدر من يفعل منهم ذلك وأراه من أئمة الدين. أما الابتداع وإدخال أفكار الوثنيين من متفلسفة اليونان، وبوذية الهند، كادعاء الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، ونحو ذلك مما يدعو إليه صاحبك فهذا هو الكفر المبين.
قال ابن عطاء الله رضي الله عنه: ابن عربي رضي الله عنه كان أكبر فقهاء الظاهر بعد ابن حزم الفقيه الأندلسي المقرب إليكم يا معشر الحنابلة. كان ابن عربي ظاهريا، ولكنه يسلك إلى الحقيقة طريق الباطن، أي تطهير الباطن!!
وليس كل أهل الباطن سواء!! ولكيلا تضل أو تنسى أعد قراءة ابن عربي بفهم جديد لرموزه، وإيحاءاته تجده مثل القشيري، قد اتخذ طريقة إلى التصوف في ظل ظليل من الكتاب والسنة، إنه مثل حجة الإسلام الشيخ الغزالي يحمل على الخلافات المذهبية في العقائد والعبادات، ويعتبرها انشغالا بما لا جدوى منه، ويدعو إلى أن محبة الله هي طريقة العابد في الإيمان فماذا تنكر من هذا يا فقيه؟ أم أنك تحب الجدل الذي يمزق أهل الفقه. لقد كان الإمام مالك رضي الله عنه يحذر من الجدل في العقائد، ويقول (كلما جاء رجل أجدل من رجل نقص الدين).
قال الغزالي: " إعلم أن الساعي إلى الله تعالى لينال قربه هو القلب دون البدن، ولست أعني بالقلب اللحم المحسوس، بل هو سر من أسرار الله عز وجل لا يدركه الحس... ".
إن أداء التكاليف الشرعية في رأي ابن عربي وابن الفارض، عبادة محرابها الباطن، لا شعائر ظاهرية، فما جدوى قيامك وقعودك في الصلاة إذا كنت مشغول القلب بغير الله؟! مدح الله تعالى أقواما بقوله تعالى * (الذين هم في صلاتهم خاشعون) *، وذم أقواما بقوله: * (الذين هم عن صلاتهم ساهون) *.

وهذا هو الذي يعنيه ابن عربي بقوله إن التعبد محرابه القلب أي الباطن لا الظاهر...
الصوفي الحق ليس هو الذي يستجدي قوته ويتكفف الناس، إنما هو الصادق الذي يهب روحه وقلبه، ويغني في الله بطاعة الله، ومن هنا تنبع قوته، فلا يخاف غير الله.
ولعل ابن عربي قد أثار عليه بعض الفقهاء لأنه أزرى على اهتمامهم بالجدل في العقائد، مما يشوش على صفاء القلب، ثم في وقوع الفقه وافتراضاته فأسماهم (فقهاء الحيض) وأعيذك بالله أن تكون منهم ألم تقرأ قول ابن عربي (من يبني إيمانه بالبراهين والاستدلالات فقط لا يمكن الوثوق بإيمانه، فهو يتأثر بالاعتراضات، فاليقين لا يستنبط بأدلة العقل إنما يعترف من أعماق القلب). ألم تقرأ هذا الكلام الصافي العذب قط؟!.
قال ابن تيمية: أحسنت والله إن كان صاحبك كما تقول فهو أبعد الناس عن الكفر، ولكن كلامه لا يحمل على هذه المعاني فيما أرى.
قال ابن عطاء الله: إن له لغة خاصة، وهي مليئة بالإشارات والرموز والإيحاءات والأسرار والشطحات.
ولكن فلنشتغل بما هو أجدي، وبما يحقق مصلحة الأمة فلنشتغل بدفع الظلم، وحماية العدل المنتهك، أرأيت ما فعله بيبرس وسلار بالرعية منذ خلع الناصر نفسه، فانفرد بالحكم، وإن عاد السلطان الناصر وهو يؤثرك على كل الفقهاء، ويستمع لك فاسرع إليه وانصح له (76).

(76) الدكتور سيد الجميلي مناظرات ابن تيمية مع فقهاء عصره، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1، 1985 م، ص 12 إلى 20، بتصرف. وقد ذكر هذه المناظرة عدد من المؤرخين مثل ابن كثير وأوردها الأستاذ عبد الرحمان الشرقاوي. كما نقلتها مجلة المسلم الصادرة عن العشيرة المحمدية بالقاهرة عدد 4 - 5 الصادر في 20 أغسطس 1982 م.


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق