بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله
قال سيدي محمد بن عبدالرحمن بن عبدالقادر الفاسي قدس الله سرهم ونفعنا ببركتهم :" وللذكر آداب خمسة سابقة وهي : التوبة والغسل والسكوت ، وان يستمد بقلبه عند شروعه بهجة شيخه ، اذ قلب شيخه يحاذي قلب شيخ شيخه ، الى الحضرة النبوية ، وان يرى استمداده من شيخه هو استمداد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو نائبه .
واثنا عشر في حال الذكر : الجلوس على مكان طاهر كجلوسه للصلاة ، واستقبال القبلة ، وان يضع راحتيه على فخذيه ، مع سدل الكمين ، وتطييب مجلس الذكر بالرائحة الطيبة ، وتنظيف السر والقلب مما سوى الله ، ولبس اللباس الطيب حلا ورائحة ، واختيار بيت مظلم ، وتغميض العينين ، وان يخيل خيال شيخه بين عينيه ، والصدق : وهو استواء السر والعلانية ، والاخلاص : وهو تصفية العمل من كل شوب ، وقيل : هي ان يريد بطاعته التقرب الى الله سبحانه ، وان يختار من الذكر لفظة " لا اله الا الله " مع التعظيم بقوة تامة جهرا ، واحضار معنى الذكر بقلبه مع كل مرة ، ونفي كل موجود من القلب ب :" لا اله " ليتمكن تأثير : " الا الله " بالقلب ، ويسري الى الاعضاء ، لما قيل :" ينبغي للرجل اذا قال :" الله " ان يهتز من فوق راسه الى اصبغ قدميه ".
وثلاثة بعد الفراغ : اذا سكت يسكن ويخشع ويخضع مع قلبه مترقبا لوارد الذكر ، فلعله يرد عليه ، ويعمر وجوده في لحظة ، ما لا يعمره بالرياضات والمجاهدات في ثلاثين سنة، وان يذم نفسه مرارا ، لانه اسرع للتنوير في البصيرة ، وكشف الحجب ، وقطع الخواطر ، النفس ، والشيطان ، والسكون ، والا يتحرك منه شيء كالهرة عند اصطياد الفأرة ، ونفي الخواطر ، وان يجري على لسانه اسم من اسماء الله تعالى فلعله يرد عليه فيعمر قلبه في لحظة ، مالم تعمره المجاهدة في ثلاثين سنة ، ومنع شرب الماء عاجلا ، ولا بد من تطابق الاصوات ، واتحاد الاحرف في النطق بها .
وهذا على الجملة والا فكل طائفة لها ذكر مخصوص ، وكيفية مخصوصة ، والكلام في الذكر راجعه في محله .
وله ثمرات منها : انه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره ، ويمنعه ، ويرضي الرحمان ، ويسخط الشيطان ، ويزيل الهم والغم من القلب ، ويجلب الفرح والسرور ، ويذهب الترح والشرور ، ويقوي القلب والبدن ، ويصلح السر والعلن ، ويبهج القلب والوجه وينوره ، ويجلب الرزق وييسره ، ويكسي الذاكر مهابة ، ويلهم به في كل امر ، ومن لم يزل لسانه رطبا بذكر الله ، واتقى الله في اوامره ونوهيه ، وجبت له دخول جنة الاحباب ، واقتراب من رب الارباب ، والملائكة تستغفر للعبد اذا لزم الذكر والحمد ، والبقاع والجبال تباهي بمن يذكر الله عليها من الرجال ، وهو سنة المومن الشاكر ، وللذاكر لذات احلى من المطعومات والمشروبات ، ووجه الذاكر وقلبه يكسى في الدنيا نضرة وسرورا ، وفي الاخرة اشد بياضا من القمر والنور ، والذاكر حي وان كان ميتا ، والغافل ميت وان كان حيا ، انتهى .
ونحوه في " حسن التلقي في السير والترقي " لسبط المرصفي المتوفي ( 966 هـ )حين ذكر آداب الذكر ، قال : " والرابع :ان يشهد بقلبه عند شروعه في الذكر بهجة شيخه ، ولو نادى شيخه بلسانه في الاستغاثة عند الاحتياج جاز ، واذا ابتدأ في الذكر يحضر صورة شيخه في قلبه ، ويستمد منه اذ قلب شيخه يحاذي قلب شيخ شيخه ، الى الحضرة النبوية التي منها يحصل الامداد للمستمدين .
والخامس: ان يرى استمداده من شيخه هو استمداده من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لان المشايخ نوابه ".
ثم ذكر الآداب التي في حال الذكر ، قال : " وان يغمض عينيه عند الشروع في الذكر ،فإنه اجمع لحواسه الظاهرة والباطنة ، وان يخيل خيال شيخه بين عينيه وهو آكد الآداب ".
قال سيدي علي بن ميمون ( قدس سره ) :" ويجب ان يعرف أن من آداب الطريق : استحضار الشيخ في قلبه حين الذكر ، فإن ذلك إعانة على كف الخواطر عنه ، وطرد الشيطان فإن الشيخ للمريد جعله الله له بابا لرحمته يرزقه منها ، وفي الحديث " من رزق من باب فليلزمه " فلا يجوز ان يخالف نبيه ، لأن هذا منه عليه السلام امر يجب قبوله " .
عن كتاب : المنح البادية في الأسانيد العالية والمسلسلات
الزاهية والطرق الهادية الكافية لأبي عبدالله محمد الصغير الفاسي
(ت1134هـ)
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق