مواضيع المدونة

الأربعاء، أبريل 07، 2010

شرح الابيات التي مطلعها تطهر بماء الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله


شرح الابيات التي مطلعها تطهر بماء الغيب

هذه وثيقة جوابية من مخطوط للشيخ العارف سيدي احمد بن محمد بنزكري قدس سره

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما
سئل شيخنا وبركتنا وسعيدنا العالم العلم المتفنن ، فريد عصره سيدي احمد بن محمد بن زكري رحمه الله عن معنى ابيات اهل العرفان مثله نفعنا الله ببركة الجميع بمنه وفضله :
تطهر بماء الغيب ان كنت ذا سر والا تيمم بالصعيد وبالصخر
وقدم اماما كنت انت امامه وصل صلاة الفجر في اول العصر
فهذه صلاة العارفين بربهم فإن كنت منهم فانضح البر بالبحر


فأجاب رحمه الله تعالى بما نصه الحمد لله شرح الابيات المفيدة أعلى هذا يتوقف على بيان مقدمة باختصار ، بها يتبين بعض ما يتضمنه من المعارف والأسرار فنقول ، قد تقرر ان العوالم أقسام فمنها عالم الغيب ويسمى عالم الأمر وعالم الملكوت ، ومنها عالم الشهادة ويسمى عالم الخلق وعالم الملك وهو قسمان عاقل كالإنسان وغير عاقل كالبهيمة والأول شريف والثالث خسيس والثاني متوسط ، وإنما كان الأول شريفا لأنه عقل بلا شهوة كالملك ، وكان الثالث خسيسا لأنه شهوة بلا عقل وكان الثاني متوسط لأنه قد ركب فيه العقل والشهوة ، فمنه كامل ومنه ناقص ، والكامل هو من اتصف بالقوة العلمية والعملية ، فإما أن يقدر على تكميل غيره وهو النبي ، وإما ان لايقدر على تكميل غيرهة وهو الولي الذي غلب عقله شهوته ، فيصير بذلك كالملك ، وإما من غلبت شهوته عقله من الناس فهو الناقص فيكون كالبهيمة أو أخس منها كما قال الله تعالى فيمن كان بذلك الوصف أنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا " ، وإنما كانوا أضل من حيث القوة العاقلة ، فهم ثابلون للكمال ولم يحصل لهم ، بخلاف الأنعام ، فإذا تقررت هذه المقدمة ظهر بها معنى الأبيات المسؤول عنها ، فإن الغيب الذي هو عالم الملائكة كما قال الله عز وجل فيهم " لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يومرون " وما اتصفوا بذلك الوصف إلا من حيث عصمتهم من الشهوات الموجبة للمخالفات فلما حصلت لهم هذه الطهارة ، كانوا بها في حضرة الله ، فلا يصح لغيرهم الدخول فيها إلا تطهر بطهرهم ، فلهذا قال صاحب الأبيات تطهر بماء الغيب لأن نسبة التنزه الموصوف بتحصيل الطهارة التي يصح بها الدخول في الحضرة الإلهية ، كنسبة التطهير بالماء لصحة دخول الصلاة به ، وإنما لم يرتفع الحدث المانع من الصلاة إلا بالطهارة المائية بمقتضى علم الشريعة لم ترتفع الأحداث المانعة من الحضرة الإلهية بمقتضى علم الحقيقة إلا بالطهارة الموصوفة .
وقوله ان كنت ذا سر اي ممن يفهم سر الحقيقة ، وادرك المعنى الذي من اجله كان الخلق وحكمة العبادة والعبودية ، كما قيل :
فذلك سر طال عنك اكتتامه ولاح صباح كنت انت ظلامه
فأنت حجاب القلب عن سر غيبه فلولاك لم يطبع عليه ختامه
قوله والا تيمم بالصعيد وبالصخر يشير الى ان من لم يستطع الطهارة الموصوفة كان حكمه حكم من لم يستطع الطهارة المائية ، فإنه يتيمم بالصعيد والصخر وهو التراب والحجر والمقصود بذلك : التنبيه على ان العبد ان لم يصبر على ترك سائر الشهوات فإنه يرخص له في بعض الشهوات المباحات كما يرخص لل (1) ..... عن الطهارة المائية في التيمم ، ويدخل به الصلاة ولم يرتفع حدثه فتكون طهارته ناقصة بالنسبة الى المتطهر بالطهارة المائية ، فكذلك المتطهر بماء الغيب قد رفع تطهره سائر احداث الشهوات بخلاف اهل المقام الثاني فإنهم لم ترتفع عنهم الأحداث ، فنسبتهم الى اهل المقام الأول كنسبة المتيمم الى المتوظئ وهذا كله في غير المعصوم ، أما المعصوم كالنبي ، فلا ينقصه شيء من اللذات المباحات التي اباح الله نبيه ان تحاطاها او شيئا من اجل العصمة والجلالة اللتين خصه الله بهما ، وكذلك من حفظه الله من الأولياء ، فإنه لا يؤثر اللذات الجسمانية في قلبه ان تعاطاها ، فالمحفوظ في ذلك من الأولياء يكون حاله كمال المعصوم من بعض الوجوه ، ووجه التشبيه بين المتيمم والمتعاطي لبعض اللذات المأذون فيها شرعا ، هو أن النفس الإنسانية سماوية وطينتها ارضية ، فمن مال الى بعض ما أذن له فيه من اللذات الجسمانية في قلبه أن تعاطاها ، فالمحفوظ في ذلك من الأولياء يجسد تشبيهه بالمتيمم بالتراب ، فيصح فيه اطلاق لفظ التيمم بالتراب ونحوه ، ولما كانت صلاة المتيمم ناقصة لم ينبغ له أن يصليها فذا لئلا يتضاعف النقصان ، تأكد في حقه الإقتداء بإمام كذلك صاحب المقام الثاني الذي تيمم بعض اللذات المباحات لم ينبغي له الانفراد بها عن الامام الذي يقتدى به وهو العقل ।
وقوله كنت انت امامه يعني به النفس (2) .......كالملك والعقل كالوزير العادل يقدمه الملك في الأمور فيكون اماما للملك الذي هو امام للوزير ، فإن النفس الانسانية ان ساعدها التوفيق ان تتبع العقل فيما ينهاها عنه ويأمرها به ، لأنها مجبولة على الميل الى الراحة واللذة الحسية ، فإذا عد فعل تلتذ به في الحال احبته وءاثرته ، وإن كان يوجب لها لألم في المال والعقل ينهاها عنه ، وعكسه اذا رأت فعلا يوجب لها الألم في الحال نفرت منه وان كان يحصل لها لذة في المآل فإنها تنفر منه ، والعقل يأمرها به ، ولهذا كان جهاد النفس اعظم الجهاد ومجاهدتها بترك الجسمانية واللذات الحسية التي هي كمال للبدن ، وبتركه يكون كمال النفس ، كما قال الشيخ ابو الحسن الششتري : تركك لجسمك هو كشف الغطاء افنى ، ودع حب وتبقى حي ، فإن كمال البدن هو نقصان للنفس ، وكلما ينقص النفس يكمل به البدن ، وكلما تكمل به النفس ينقص البدن
كما قيل :
كمل حقيقة التي لم تكمل والجسم دعه في الحضيض الاسفل
اتكمل الفاني وتترك باقيا هملا وانت بأمره لم تحفل
يفنى وتبقى(3) دائما في غبطة او شقوة وندامة لم تنجل
ياخادم الجسم كم تشقى بخدمته وتطلب الربح مما فيه خسران
عليك بالنفس فاستكمل فضائلها فانت بالنفس لا بالجسم انسان
وقول صاحب الأبيات : وصل صلاة الصبح في أول العصر المراد بالصلاة صلاة المتيمم الذي تعذر عليه التطهير بماء الغيب فلم ترتفع عنه احداث الشهوات ، فأشار الى مجاهدته لنفسه بما ذكر ، والفجر يعني به نور العقل الذي يذهب ظلمة الشهوة ، فعبر عن بور العقل بالفجر ، ووجه الشبه بينهما ظاهر ، لأن بنور العقل تذهب ظلمة الشهوة من القلب كما تذهب ظلمة الليل بنور الفجر ، والتعبير بأول العصر عن أول وقت حضور الشهوة بالقلب ، والإشارة بذلك الى البذار ، الى ازالتها لئلا يتمكن حلاوتها من القلب فتصير داء عضالا ، وانهما قال في اول العصر ولم يقل في اول الظهر - وان كان مناسبا لظهخور الشهوة - لأن في لفظ العصر مايؤذن بتعلها بالقلب كتعلق النجاسة بالثوب فيحتاج الى غسله ، وعصره لايبقي منها ومن غساتها أثر .
وقوله : فهي صلاة العارفين الى ءاخره : الإشارة الى الصلاة الواقعة في كلامه بالتطهر بماء الغيب ، وهي اكمل الصلوات وأفضلها ، ويليها الواقعة بالتيمم خلف إمام كان مأموما كما في بعض صور الإستخلاف في الصلاة كما تقدم .
وقوله : فإن كنت منهم فانضح البر في البحر أي فإن ارتقيت الى مقالم العارفين بالله ، وصليت الثانية بشرطها وهو الطهر الحاصل بماء الغيب الموجب لرفع حدث الشهوات ، وجنابة الغفلات ، وصليت الصلاة القانية بشرطها فتصل بذلك وغاية مطلبك أن تصير من أهل حضرة ربك ، بأن تنضح أي تغسل أوضار بدنك ببحر معرفتك ، فتكون الأمور طوع يدك ، فتأخذ منها بالإذن والتمكين ولاتأخذ شيئا منك ।
اللهم إنا نسألك توفيقا يهدي الى السنن الرشيدة ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين. اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)و(2) كلمة غير واضحة الاصل
(3) في الاصل تبعني وهو تصحيف من الناسخ

السيد العارف بالله سيدي احمد بن محمد بنزكري قدس سره

هناك 3 تعليقات :

  1. شكرا لكم سيدي على هذه النادرة من نوادر التراث الصوفي، وعندي لك سؤال سيدي حول شارح الأبيات وهو سيدي أحمد بن محمد ابن زكري هل هو ولد سيدي أحمد صاحب الهمزية الشهيرة في مدح سيد الوجود صلى الله عليه وسلم؟ وهل هناك مصادر حول ترجمته رضي الله تعالى عنه ونفعنا بعلومه آمين؟

    مشكورين مرة أخرى والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

    ردحذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على سيدنا محمد و آل سيدنا محمد
    ردا على استفساركم سيدي بعد امتناني لمشاركتكم وكلماتكم الطيبةأقول: هو علامة الزمان و شيخ التحقيق و الإتقان،بحر العلوم وإمام أهل الفهوم،أبو العباس أحمد بن زكري التلمساني أحد فحول العلماء..هكذا حلاه صاحب كتاب دوحة الناشر ص119ط1976
    ترجم له الزركلي في الاعلام له من الكتب ـ مسائل القضاء والفتياـ و ـ بغية الطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب ـو منظومة في علم الكلام سماها محصل المقاصد الازهرية..وله أيضا شرحا على قصيدة البوصيري المشهورة بالهمزية أما مصادر ترجماته فكثيرة منها المرجعين المذكورين و البستان و شجرة النور..
    السلام عليكم

    ردحذف
  3. شكرا جزيلا على هذه الأبيات الصوفية، وسؤالي هو: هل يمكن ان تمدنا بتحليل بلاغي حول هذه الأبيات للقطب الشيخ الجنيد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    ردحذف