مواضيع المدونة

السبت، أبريل 21، 2012

مدخل لعلم الرؤيا

 بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد و آل سيدنا محمد




 ارتأيت أن أنقل ثلاثة فصول من كتاب الإشارات في علم العبارات للعالم المملوكي خليل شاهين الظاهري رحمه الله وذلك كتأصيل أولي لهذا العلم قراء مدونتي الأفاضل، وها هو النص المنقول:

(فصل: في إيضاح أدلة تدل على أن علم الرؤيا له أصل في الشريعة) منها قوله تعالى - وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث - قال الواحدي هو تأويل الرؤيا وقوله تعالى - لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة - قال بعض المفسرين يعنى الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال الشهرزوري في شرحه للأربعين حديثا وكذا زين العرب في شرحه للمصابيح إن مدة ابتداء وحي الرسول عليه السلام إلى مفارقته الدنيا كانت ثلاثا وعشرين سنة وكانت ستة أشهر منها في أول الامر يوحى إليه مناما وهو نصف سنة فهي جزء من ستة وأربعين جزءا من جملة أيام الوحي لأنه عاش ثلاثا وستين سنة على أكثر الروايات وأوحى إليه بعد أربعين سنة ومنها قوله عليه الصلاة والسلام " ومن لم يؤمن بالرؤيا الصالحة لم يؤمن بالله واليوم الآخر " ومنها قوله عليه الصلاة والسلام " لم يبق من النبوة إلا المبشرات قال الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له " ومنها قوله عليه الصلاة والسلام " أصدقكم حديثا أصدقكم رؤيا وإذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن " ولا ينبغي لاحد أن يكذب في رؤياه ويزعم أنه رأى غير ما رأى فان الرؤيا وحي يوحيه الله له في المنام  ومنها قوله عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري " إن من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولم يفعل " ومعنى الحلم هو معنى الرؤيا لكن غلب استعمال الرؤيا في المحبوبة والحلم في المكروهة وقال عمر رضي الله عنه: ألا أخبركم إن الانسان إذا نام عرج بروحه إلى السماء فما رأى قبل أن يصل إلى السماء فذلك حلم وما رأى بعد أن يصل إلى السماء فذلك الذي يكون وفى قول ابن سيرين بيان أن ليس كل ما يراه الانسان يكون صحيحا ويجوز تعبيره إنما الصحيح منه ما كان من الله تعالى يأتيك به ملك الرؤيا وهو روحائيل من نسخة أم الكتاب يعنى من اللوح المحفوظ وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها.
(فصل: في بيان معرفة الرؤيا ومجاريها وقوتها وضعفها) وبينت ما كان مستقيما واضحا وألغيت ما كان أضغاثا مختلطا وتأملت ذلك بتوفيق الله تعالى.
واعلم أن أصدق الرؤيا إذا نمت على جنبك الأيمن لقول ابن سيرين من نام على جنبه الأيمن فرأى رؤيا فهي من الله تعالى ومن نام على جنبه الأيسر أو على ظهره ورأى رؤيا فإنها من قبل الأرواح وربما يصح بعض ذلك وما كان منها في منامه على بطنه فهو أضغاث أحلام فأصدق ما تكون الرؤيا في الربيع والصيف لما تقدم من الحديث الشريف. وقد ذهب بعضهم بأن تفسير ذلك على هذا الوجه وأضعف ما تكون في الخريف والشتاء وقد قال ابن سيرين وغيره أقوى  ما تكون الرؤيا عند إدراك الثمار واجتماع أمرها وأضعف ما تكون عند سقوط ورقها وذهاب وثمرها وقيل إن الله تعالى وكل على كل بذر وشجر ملكا لحفظه من الجن لئلا يفسدوه فإذا انقضى أو انهما وارتفعت الملائكة الموكلون بهما بعدت النفوس وتغيرت الأمزجة فتظهر الأحلام السوء والأضغاث. (فصل) وأقرب ما تخرج الرؤيا أي تظهر الرؤيا إذا رؤيت آخر الليل فإنه ينتظر بها وروى أن ابن بها وروى أن ابن سيرين قال من رأى رؤيا أول الليل فإنه ينتظر بها إلى عشرين سنة فما دون ذلك ويقاس على الليل على السنين ويعرف ما مضى من الليل وينقص من السنين بقدره، مثاله إذا مضى من الليل نصفه ينتظر الرؤيا إلى عشر سنين فما دون ذلك ويقاس على ذلك ومن رأى رؤيا عبد الصبح فإنه ينتظر لها مدة شهرين وما دون ذلك وكذلك رؤية النهار وقد ظهرت رؤية يوسف عليه السلام بعد عشرين سنة فلأجل ذلك حد آخر انتظار الرؤيا عشرين سنة وقال الكرماني أصح ما تكون الرؤيا عند استغراق النوم لقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما زال الانسان يرى الشئ فيكون ويرى الشئ فلا يكون والجواب عن ذلك تقدم في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (فصل) وقد يبطل تأويل الرؤيا إذا كان لإنسان قد عمل فيما يراه في منامه وشغل به في اليقظة سره وفى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الرؤيا ثلاثة فالرؤيا الصالحة بشرى من الله تعالى والرؤيا من تخويف الشيطان والرؤيا مما يحدث بها الرجل نفسه " وقال بعض المعبرين الرؤيا الصالحة على قسمين قسم بشرى  وقسم تحذير وقد تخرج الرؤيا على مآرب كثيرة وقد رأى كسرى في المنام زوال ملكه وظهور محمد صلى الله عليه وسلم وكان كذلك وقد رأى النمروذ حين رمى الخليل إبراهيم عليه السلام بمنجنيق أن الخليل في روضة خضراء وفيها عين جارية فكان كذلك ورأى فرعون أنه دخل البحر وجنوده فغرقوا فكان الامر كذلك وإن لم تخرج الرؤيا لصاحبها خرجت لبنيه أو لنظيره أو لاحد من عشيرته وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أن ابن أبي العيص في الجنة بعد موته وكان مشركا فأولها صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد لأنه كان نظيره وإن عبرت الرؤيا في المنام فإنها تخرج على نحو ما عبرت به إذا كان المعبر ممن يركن إليه وسيمته الخير وإن رأى الانسان رؤيا مما تدل على خير أو غيره ثم انتظرها فرآها على صفة ما رأى أولا فتكون قد عبرت ولا يكون ذلك تكرارا عند بعض المعبرين وليست الرؤيا تبطل بتأويل ما أول بما يخالف التعبير إذ لو كان كذلك لبطلت رؤيا عزيز مصر لقول المعبرين أضغاث أحلام وإن الشيطان يتمثل في الرؤيا بكل شئ إلا بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وفى الحديث " إذا رأى أحدكم ما يكره فليقم وليتفل ولا يحدث به الناس " وفى الحديث " المنام على رجل طائر إذا قص وقع " وأول بعضهم قص الرجل بالوقوع وفى حديث آخر ما يدل معناه أن الانسان إذا رأى في منامه ما يكره فلا يحدث به أحدا وأن يبصق عنه يساره ويتعوذ  من الشيطان الرجيم فإنه لا يضره إن شاء الله تعالى " وينبغي أن يكون المعبر ذا حذاقة وفطنة صدوقا في كلامه حسنا في أفعاله مشتهرا بالديانة والصيانة بحيث لا ينكر عليه فيما يعبره لشهرة صدقه ولذلك سمى الله يوسف بالصديق وأن يكون عارفا بالأصول في علم التعبير وأن يميز رؤبة كل أحد بحسب حاله وما يليق به وما يناسبه ولا يساوى الناس فيما يرونه ويعتبر في تعبيره على ما يظهر له من آيات القرآن وتفسيره ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقله المتقدمون في كتبهم وقد يقع نوادر ويعتمد على تعبيرها من الألفاظ الجليلة الظاهرة بين الناس وما نقل عن الأدباء في أشعارهم وغير ذلك من أشياء تناسب في المعنى...

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق