مواضيع المدونة

الاثنين، أبريل 30، 2012

ترجمة القطب الرفاعي قدس سره من كتاب الطبقات الكبرى للشعراني قدس سره

 بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد



قال العارف بالله سيدي الشعراني قدس سره في كتابه الطبقات:



ومنهم الشيخ أحمد بن أبي الحسين الرفاعي

رضي الله تعالى عنه


منسوب إلى بني رفاعة قبيلة من العرب، وسكن أم عبيدة بأرض البطائح إلى أن مات بها رحمه الله تعالى وكانت انتهت إليه الرياسة في علوم الطريق، وشرح أحوال القوم، وكشف مشكلات منازلاتهم، وبه عرف الأمر بتربية المريدين بالبطائح، وتخرج بصحبته جماعة كثيرة، وتتلمذ له خلائق لا يحصون ورثاه المشايخ والعلماء، وهو أحد من قهر أحواله، وملك أسراره وكان له كلام عال على لسان أهل الحقائق، وهو الذي سئل عن وصف الرجل المتمكن فقال: هو الذي لو نصب له سنان على أعلى شاهق جبل في الأرض، وهبت الرياح الثمان ما غيرته.
وكان رضي الله عنه يقول: الكشف قوة جاذبة بخاصيتها نور عين البصيرة إلى فيض الغيب فيتصل نورها به اتصال الشعاع بالزجاجة الصافية حال مقابلتها المنيع إلى فيضه ثم يتقاذف نوره منعكساً بضوئه على صفاء القلب ثم يترقى ساطعاً إلى عالم العقل فيتصل به اتصالا معنوياً له أثر في استفاضة نور العقل على ساحة القلب فيشرق نور العقل على إنسان عين السر فيرى ما خفي عن الأبصار موضعه، ودق عن الأفهام تصوره، واستتر عن الأغيار مرآه.

وكان رضي الله عنه يقول: الزهد أساس الأحوال المرضية، والمراتب السنية، وهو أول قدم القاصدين إلى الله عز وجل، والمنقطعين إلى الله، والراضين عن الله، والمتوكلين على الله فمن لم يحكم أساسه في الزهد لم يصح له شيء مما بعده، وكان رضي الله عنه يقول: الفقراء أشراف الناس لأن الفقر لباس المرسلين، وجلباب الصالحين، وتاج المتقين، وغنيمة العارفين، ومنية المريدين، ورضا رب العالمين، وكرامة لأهل ولايته، وكان يقول: الأنس بالله لا يكون إلا لعبد قد كملت طهارته، وصفا ذكره، واستوحش من كل ما يشغله عن الله تعالى فعند ذلك آنسه الله تعالى به وأراده بحق حقائق الأنس فأخذه عن وجد طعم الخوف لما سواه، وكان رضي الله عنه يقول: المشاهدة حضور بمعنى قرب مقرون بعلم اليقين، وحقائق حق اليقين، وكان رضي الله عنه يقول: التوحيد، وجدان تعظيم في القلب يمنع من التعطيل، والتشبيه، وكان يقول: لسان الورع يدعو إلى ترك الآفات، ولسان التعبد يدعو إلى دوام الاجتهاد، ولسان المحبة يدعو إلى الذوبان، والهيمان ولسان المعرفة يدعو إلى الفناء والمحو ولسان التوحيد يدعو إلى الإثبات، والحضور، ومن أعرض عن الأعراض أدباً فهو الحكيم المتأدب.
وكان رضي الله عنه يقول: لو تكلم الرجل في الذات والصفات كان سكوته أفضل ومن خطا من قاف إلى قاف كان جلوسه أفضل وكان رضي الله عنه يقول: لما مررت، وأنا صغير على الشيخ العارف بالله تعالى عبد الملك الخرنوتي أوصاني قال لي يا أحمد احفظ ما أقول لك فقلت: نعم. فقال رضي الله عنه: ملتفت لا يصل، ومتسلل لا يفلح، ومن لم يعرف من نفسه النقصان فكل أوقاته نقصان فخرجت من عنده، وجعلت أكررها سنة ثم رجعت إليه فقلت له أوصني فقال: ما أقبح الجهل بالألباء، والعملة بالأطباء، والجفاء بالأحباء ثم خرجت، وجعلت أرددها سنة فانتفعت بموعظته وكان رضي الله عنه يقول: أكره للفقراء دخول الحمام وأحب لجميع أصحابي الجوع، والعري والفقر والذل، والمسكنة، وأفرح لهم إذا نزل بهم ذلك، وكان يقول: الشفقة على الإخوان مما يقرب إلى الله تعالى وكان رضي الله عنه يقول: إذا جئتم ولم تجدوا عندي ما يأكله ذو كبد فاسألوني الدعاء أدع لكم فإني حينئذ لي أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشيخ يعقوب رضي الله عنه خادمه نظر سيدي أحمد رضي الله عنه إلى النخلة فقال: يا يعقوب انظر إلى النخلة لما رفعت رأسها جعل الله تعالى ثقل حملها عليها ولو حملت مهما حملت وانظر إلى شجرة اليقطين لما وضعت نفسها ألقت خدها على الأرض جعل ثقل حملها على غيرها، ولو حملت مهما حملت لا تحس به.
وكان رضي الله عنه يقول: الصدقة أفضل من العبادات البدنية والنوافل وكان رضي الله عنه يقول: أخوك الذي يحل لك أكل ماله بغير إذنه هو الذي تسكن نفسك إليه ويستريح قلبك فيه، وكان إذا رأى على فقير جبة صوف يقول له يا ولدي انظر بزي من تزييت، وإلى من قد انتسبت قد لبست لبسة الأنبياء، وتحليت بحلية الأتقياء هذا زي العارفين فاسلك فيه مسالك المقربين، وإلا فانزعه، وكان رضي الله عنه يقول: إذا صلح القلب صار مهبط الوحي والأسرار، والأنوار، والملائكة، وإذا فسد صار مهبط الظلم، والشياطين، وإذا صلح القلب أخبرك بما وراءك، وأمامك، ونبهك على أمور لم تكن تعلمها بشيء دونه، وإذا فسد حدثك بباطلات يغيب معها الرشد، وينتفي معها السعد، وكان رضي الله عنه يقول: من شرط الفقير أن يرى كل نفس من أنفاسه أعز من الكبريت الأحمر فيودع كل نفس أعز ما يصلح له فلا يضيع له نفس وكان رضي الله عنه يقول: السفر للفقير يمزق دينه ويشتت شمله، وكان يقول: لمن شاوره في التزويج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تزوج لله كفى ووقى" وكان رضي الله عنه يقول: من لم ينتفع بأفعالي لم ينتفع بأقوالي وكان يقول: الأمر أعظم مما تظنون وأصعب مما تتوهمون وكان يقول: كل أخ لا ينفع في الدنيا لا ينفع في الآخرة وكان رضي الله عنه يقول: إذا تعلم أحدكم شيئاً من الخير فليعلمه الناس يثمر له الخير، وكان يقول: طريقنا مبنية على ثلاثة أشياء لا تسأل، ولا ترد ولا تدخر، وكان يقول: من علامة إقبال المريد أن لا يتعب شيخه في تربيته بل يكون سميعاً مطيعاً للإشارة، وأن يفتخر شيخه به بين الفقراء لا أنه يفتخر هو بشيخه، وكان يقول: الفقير إن غضب لنفسه تعب وإن سلم الأمر لمولاه نصره من غير عشيرة، ولا أهل وكان يقول: ما من ليلة إلا وينزل فيها نثار من السماء إلى الأرض يفرق على المستيقظين وكان يقول: والله مالي خيرة إلا في الوحدة فيا ليتني لم أعرف أحداً، ولم يعرفني أحد، وكان رضي الله عنه يقول: ما نظر أحد إلى الخلائق ووقف مع نظرهم في العبادات إلا سقط من عين الله عز وجل وكان رضي الله عنه يقول: من شرط الفقير أن لا يكون له نظر في عيوب الناس.
وكان يقول: كم طيرت طقطقة النعال حول الرحال من رأس وكم أذهبت من دين، وكان رضي الله عنه يقول: من تمشيخ عليكم فتتلمذوا له فإن مد يده لكم لتقبلوها فقبلوا رجله، ومن تقدم عليكم فقدموه، وكونوا آخر شعرة في الذنب فإن الضربة أول ما تقع في الرأس، وكان رضي الله عنه يقول: وعدني ربي أن لا أعبر عليه، وعلى شيء من لحم الدنيا قال يعقوب الخادم ففني لحمه بأجمعه قبل خروجه من الدنيا، وكان يقول: إن العبد إذا تمكن من الأحوال بلغ محل القرب من الله تعالى وصارت همته خارقة للسبع السموات، وصارت الأرضون كالخلخال برجله، وصار صفة من صفات الحق جل وعلا لا يعجزه شيء، وصار الحق تعالى يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه قال: ويدل لما قلناه ما ورد في بعض الكتب الإلهية يقول الله عز وجل: يا بني آدم أطيعوني أطعكم، واختاروني أختركم، وارضوا عني أرض عنكم وأحبوني أحبكم، وراقبوني أراقبكم، وأجعلكم تقولون للشيء كن فيكون يا بني آدم من حصلت له حصل له كل شيء ومن فته فاته كل شيء.
لت: وقوله وصار صفة من صفات الحق تعالى لعله يريد التخلق والاتصاف بصفاته تعالى من الحلم، والصفح، والكرم لأنه لا يصلح لأحد أن يكون عين صفات الحق فهو كقوله: "فبي يرى وبي يسمع وبي ينطق" وما أشبه ذلك، وكان رضي الله عنه إذا صعد الكرسي لا يقوم قائماً وإنما يتحدث قاعداً، وكان يسمع حديثه البعيد مثل القريب حتى إن أهل القرى التي حول أم عبيدة كانوا يجلسون على سطوحهم يسمعون صوته، ويعرفون جميع ما يتحدث به حتى كان الأطرش والأصم إذا حضروا يفتح الله أسماعهم لكلامه، وكانت أشياخ الطريق يحضرونه ويسمعون كلامه، وكان أحدهم يبسط حجره فإذا فرغ سيدي أحمد رضي الله عنه ضموا حجورهم إلى صدورهم وقصوا الحديث إذا رجعوا على أصحابهم على جليته قلت: وهذا يشبه ما وقع لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام من النداء لما بنى للبيت فإنه قال: يا رب كيف أسمع جميع الخلائق فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم عليك النداء، وعلينا البلاغ فنادى إبراهيم بالحج فأجابوه في الأصلاب من سائر أقطار الأرض البعيدة مثل القريب فالإبلاغ من الله تعالى لا من إبراهيم فإن البشرية لا تقدر على ذلك، وكان رضي الله عنه يقول: إذا أراد الله عز وجل أن يرقي العبد إلى مقامات الرجال يكلفه بأمر نفسه أولا فإذا أدب نفسه، واستقامت معه كلفه بأهله فإن أحسن إليهم، وأحسن عشرتهم كلفه بجيرانه، وأهل محلته فإن هو أحسن إليهم وداراهم كلفه ببلده فإن هو أحسن إليهم، وداراهم كلفه جهة من البلاد فإن هو داراهم، وأحسن عشرتهم، وأصلح سريرته مع الله تعالى كلفه ما بين السماء، والأرض فإن بينهن خلقاً لا يعلمهم إلا الله تعالى ثم لا يزال يرتفع من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث ثم ترتفع صفته إلى أن تصير صفة من صفات الحق تعالى، وأطلعه على غيبه حتى لا تنبت شجرة، ولا تخضر ورقة إلا بنظره، وهناك يتكلم عن الله تعالى بكرم لا يسعه عقول الخلائق لأنه بحر عميق غرق في ساحله خلق كثير، وذهب به إيمان جماعة من العلماء، والصلحاء فضلا عن غيرهم.
وكان رضي الله عنه يقول لولده صالح: إن لم تعمل بعلمي فلست لك أبا ولا أنت لي ولداً، وكان رضي الله عنه يقول: اللهم اجعلنا ممن فرشوا على بابك لفرط ذلهم نواعم الخدود، ونكسوا رؤوسهم من الخجل، وجباههم للسجود ببركة صاحب اللواء المحمود آمين، وكان إذا جلس على جسمه بعوضة لا يطيرها، ولا يمكن أحداً يطيرها ويقول: دعوها تشرب من هذا الدم الذي قسمه الحق تعالى لها، وكان إذا جلس على ثوبه جرادة وهو مار في الشمس، وجلست على محل الظل يمكث لها حتى تطير، ويقول: إنها استظلت بنا.
وكان إذا نام على كمه هرة، وجاء وقت الصلاة يقطع كمه من تحتها، ولا يوقظها فإذا جاء من الصلاة أخذ كمه، وخاطه ببعضه. ووجد رضي الله عنه مرة كلباً أجرب أخرجه أهل أم عبيدة إلى محل بعيد فخرج معه إلى البرية وضرب عليه مظلة، وصار يطليه بالدهن، ويطعمه ويسقيه، ويحت الجرب منه بخرقة فلما برئ حمل له ماء مسخناً، وغسله، وكان قد كلفه الله تعالى بالنظر في أمر الدواب والحيوانات، وكان رضي الله عنه إذا رأى فقيراً يقتل قملة أو برغوثاً يقول: له لا وأخذك الله شفيت غيظك بقتل قملة، وسمع مرة رجلا يقول: إن الله تعالى له خمسة آلاف اسم فقال قل إن لله تعالى أسماء بعدد ما خلف من الرمال والأوراق وغيرها وكان رضي الله عنه يمشي إلى المجذومين، والزمني يغسل ثيابهم، ويفلي رؤوسهم، ولحاهم، ويحمل إليهم الطعام، ويأكل معهم، ويجالسهم ويسألهم الدعاء وكان رضي الله عنه يقول: الزيارة لمثل هؤلاء واجبة لا مستحبة، ومر يوماً على صبيان يلعبون فهربوا منه هيبة له فتبعهم، وصار يقول: اجعلوني في حل فقد روعتكم ارجعوا إلى ما كنتم عليه. ومر يوماً على صبيان يتخاصمون فخلص بينهم، وقال لواحد منهم ابن من أنت فقال له وأيش فضولك فصار يرددها، ويقول: أدبتني يا ولدي جزاك الله خيراً، وكان يبتدئ من لقيه بالسلام حتى الأنعام، والكلاب وكان إذا رأى خنزيراً يقول له: أنعم صباحاً فقيل له في ذلك فقال أعود نفسي الجميل وكان إذا سمع بمريض في قرية ولو على بعد يمضي إليه يعوده، ويرجع بعد يوم أو يومين، وكان يخرج إلى الطريق ينتظر العميان حتى إذا جاءوا يأخذ بأيديهم، ويقودهم، وكان إذا رأى شيخاً كبيراً يذهب إلى أهل حارته ويوصيهم عليه ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أكرم ذا شيبة يعني مسلماً سخر الله له من يكرمه عند شيبته" وكان إذا قدم من السفر، وقرب من أم عبيدة يشد وسطه، ويخرج حبلا مدخراً معه ويجمع حطباً ثم يحمله على رأسه فإذا فعل ذلك فعل الفقراء كلهم فإذا دخل البلد فرق الحطب على الأرامل، والمساكين، والزمنى، والمرضى، والعميان، والمشايخ، وكان رضي الله عنه لا يجازي قط بالسيئة السيئة، وكان إذا تجلى الحق تعالى عليه بالتعظيم يذوب حتى يكون بقعة ماء ثم يتداركه اللطف فيصير يجمد شيئاً فشيئاً حتى يرد إلى جسمه المعتاد، ويقول: لولا لطف الله تعالى بي ما رجعت إليكم، ولقيه مرة جماعة من الفقراء فسبوه، وقالوا له يا أعور يا دجال يا من يستحل المحرمات يا من يبدل القرآن يا ملحد يا كلب فكشف سيدي أحمد رضي الله عنه رأسه، وقبل الأرض وقال يا أسيادي اجعلوا عبيدكم في حل، وصار يقبل أيديهم، وأرجلهم، ويقول: ارضوا علي وحلمكم يسعني فلما أعجزهم قالوا ما رأينا قط فقيراً مثلك تحمل منا هذا كله، ولا تتغير فقال هذا ببركتكم، ونفحاتكم ثم التفت إلى أصحابه، وقال ما كان إلا خيراً أرحناهم من كلام كان مكتوماً عندهم، وكنا نحن أحق بهم من غيرنا فربما لو وقع منهم ذلك لغيرنا ما كان يحملهم، وأرسل إليه الشيخ إبراهيم البستي كتاباً يحط عليه فيه فقال سيدي أحمد رضي الله عنه للرسول اقرأه لي فقرأه فإذا فيه أي أعور أي دجال أي مبتدع يا من جمع بين الرجال، والنساء حتى ذكر الكلب بن الكلب، وذكر أشياء تغيظ فلما فرغ الرسول من قراءة الكتاب أخذه سيدي أحمد رضي الله عنه، وقرأه، وقال: صدق فيما قال جزاه الله عني خيراً ثم أنشد:

فلست أبالي من رماني بريبةإذا كنت عند الله غير مريب

ثم قال للرسول: اكتب إليه الجواب من هذا اللاش حميد إلى سيدي الشيخ إبراهيم البستي رضي الله عنه أما قولك الذي ذكرته فإن الله تعالى خلقني كما يشاء، وأسكن في ما يشاء وإني أريد من صدقاتك أن تدعو لي ولا تخليني من حلك، وحلمك فلما وصل الكتاب إلى البستي هام على وجهه، فما عرفوا إلى أين ذهب، وكان رضي الله عنه إذا علم أن الفقراء يريدون أن يضربوا أحداً من إخوانهم لزلة وقعت منه يستعير منه ثيابه، ويلبسها، وينام في موضعه فيضربونه فإذا فرغوا من ضربه، واشتفوا منه يكشف لهم عن وجهه فيغشى عليهم كيقول لهم: ما كان إلا الخير كسبتمونا الأجر، والثواب فيقول: بعض الفقراء لبعضهم تعلموا هذه الأخلاق، وقال رضي الله عنه لأصحابه يوماً من رأى في حميد منكم عيباً فليعلمه به فقام شخص.
فقال: يا سيدي فيك عيب عظيم فقال: وما هو يا أخي فقال كون مثلنا من أصحابك فبكى الفقراء وعلا نحيبهم وبكى سيدي أحمد معهم، وقال أنا خادمكم أنا دونكم، وكان لسيدي أحمد شخص ينكر عليه وينقصه في نواحي أم عبيدة فكان كلما لقي فقيراً من جماعة سيدي أحمد رضي الله عنه يقول: خذ هذا الكتاب إلى شيخك فيفتحه سيدي أحمد فيجد فيه أي ملحد أي باطلي أي زنديق، وأمثال ذلك من الكلام القبيح ثم يقول سيدي أحمد رضي الله عنه: صدق من أعطاك هذا الكتاب ثم يعطي الرسول دريهمات، ويقول: جزاك الله عني خيراً كنت سبباً لحصول الثواب فلما طال الأمر على ذلك الرجل وعجز عن سيدي أحمد مضى إليه فلما قرب من أم عبيدة كشف رأسه، وأخذ مئزره، وجعله في وسطه، وأمسكه إنسان، وصار يقوده حتى دخل على سيدي أحمد فقال: ما أحوجك يا أخي إلى هنا فقال: فعلي فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه: ما كان إلا الخير يا أخي.
ثم طلب منه أخذ العهد عليه فأخذه عليه، وصار من جملة أصحابه إلى أن مات، وكان رضي الله عنه يقول: إذا قصت إلى الصلاة كان سيف القهر يجذب في وجهي، وكان رضي الله عنه يقول: لا يحصل للعبد صفاء الصدر حتى لا يبقى فيه شيء من الخبث لا لعدو ولا لصديق ولا لأحد من خلق الله عز وجل، وهناك تستأنس الوحوش بك في غياضها، والطير في أوكارها، ولا تنفر منك، ويتضح لك سر الحاء والميم وقال له: شخص من تلامذته، يا سيدي أنت القطب فقال: نزه شيخك عن القطبية فقال له: وأنت الغوث فقال: نزه شيخك عن الغوثية قلت: وفي هذا دليل على أنه تعدي المقامات، والأطوار لأن القطبية والغوثية مقام معلوم، ومن كان مع الله وبالله فلا يعلم له مقام، وإن كان له في كل مقام مقام والله أعلم.
قال يعقوب الخادم رضي الله عنه: ولما مرض سيدي أحمد رضي الله عنه مرض الموت قلت له تجلى العروس في هذه المرة قال نعم فقلت له لماذا فقال: جرت أمور اشتريناها بالأرواح، وذلك أنه أقبل على الخلق بلاء عظيم فتحملته عنهم وشريته بما بقي من عمري فباعني وكان يمرغ وجهه وشيبته على التراب ويبكي ويقول: العفو العفو، ويقول: اللهم اجعلني سقف البلاء على هؤلاء الخلق وكان مرض الشيخ رضي الله عنه بالبطيت فكان يخرج منه في كل يوم ما شاء الله فبقي المرض بالشيخ شهراً فقيل له من أين لك هذا كله، ولك عشرون يوماً لا تأكل، ولا تشرب فقال: يا أخي هذا اللحم يندفع، ويخرج. ولكن قد ذهب اللحم، وما بقي إلا المخ اليوم يخرج، وغداً نعبر على الله تعالى فخرج منه شيء أبيض مرتين أو ثلاثاً، وانقطع ثم توفي يوم الخميس وقت الظهر ثاني عشر جمادى الأولى سنة سبعين وخمسمائة، وكان يوماً مشهوداً، وكان آخر كلمة قالها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ودفن في قبر الشيخ يحيى البخاري، وكان الشافعي المذهب قرأ كتاب التنبيه للشيخ أبي إسحاق الشيرازي وما تصدر قط في مجلس، ولا جلس على سجادة تواضعاً، وكان لا يتكلم إلا يسيراً، ويقول: أمرت بالسكوت رضي الله عنه.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق